وموضوع التلقين وأثره في الرواة بحاجة إلى دراسة مستقلة، فإن التلقين بالقراءة على الراوي من غير حديثه، فيقر به، أو بأن يدفع إليه من غير حديثه فيقرأه- من التلقين الجلي، وهو أشهر صور التلقين وأكثرها شيوعا، وهناك صور من التلقين خفية، مثل أن يُلَقَّن حديثه هو، أو يحدث من كتاب غيره، أو ينظر في كتاب غيره وهو يحدث، أو ينسخ من كتاب الغير ما سمعه هو من شيخه، أو يستفهم جليسه عن شيء من متن الحديث أو إسناده لم يسمعه جيدا من شيخه وهو يحدث، أو يعتمد على إملاء بعض تلامذة الشيخ، أو يروي حديثًا على وجه خطأ فيصححه له أحد ممن سمعه، أو يذكِّره غيره بحديث كان يحفظه، والضرير إذا كتب له ثم لقن ما كتب ليحفظه، ونحو ذلك، فالراوي متى حدث في هذه الصور ولم يبين فهو نوع من التلقين؛ إذ الأصل في الراوي أن يعتمد على مسموعه ومحفوظه فقط، ولا علاقة له بغيره، فغيره قد تكون روايته مخالفة لروايته هو، وقد يكون فيها مخطئا، إما عن تعمد، أو عن غير تعمد، وبعض الأئمة يتسامحون في بعض هذه الصور، ومنهم من يتشدد، حتى إن بعضهم إذا اختلف ما يحفظه عما في كتابه هو بين ذلك، فيقول: في حفظي كذا، وفي كتابي كذا (١).