للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنترك هذا الآن ونسأل: هل نحن نصلي؟ قبل أن أجيب على هذا أقصّ على القارئ قصة الشاعر والأمير: وذلك أن شاعراً أراد الدخول على أمير كريم يعطي المال الجزيل من يمدحه على شرط أن يخلص في مدحه ولا يذكر في حضرته غيره، فسأل حاجبه عن الوقت الذي يؤذَن له فيه والهيئة التي يلقاه عليها، فقال له: إذا كان صباح غد فتطيّبتَ ولبست كذا وكذا من الثياب ثم جئت إليّ أوصلتك إليه، وعليك بعد ذلك مدحه والثناء عليه. فراح فصنع ما قال له، لم يخرم منه حرفاً، فلما دخل على الأمير نسي كل شيء إلا أُمْدوحة قالها في أعدائه، فطرده!

هذا هو مثلنا إذ نصلي، ولله المَثَل الأعلى: بيّنَ لنا الفقهاء ما من شأنه تطهير ظاهرنا وصلاحه وتركوا لنا الخشوع وحضور القلب، فتركناه وحسبنا ما ذكره الفقهاء كل شيء في الصلاة، فاستحالت صلاتنا قياماً وقعوداً، وأصبحنا نتلو قوله تعالى: {إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعينُ} والله يعلم أين قلوبنا وماذا نعبد: مالاً؟ أم تجارة؟ أم أهلاً؟ أم ولداً؟ ولو أقمنا الصلاة على وجهها وفهمناها على حقيقتها لنَهَتْنا عن الفحشاء والمنكر وأصلحَتْ لنا أمرنا كله. وأيّ منكَر يُقْدم عليه مَن لا يغيب عن الله طرفة عين، ومن يقف خاشعاً خمس مرات كل يوم بين يدي رب العالمين الذي يعلم السرّ والخفي؟ يفكر في عظمته وجلاله، فيتضاءل العالم في عينيه حتى يصبح -بجانب ما يفكر فيه- كالحلم من الحقيقة والفناء من البقاء، فلا يرى إلا الله الحي الباقي، فيسأله أن يا ربّ {اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ} ووفِّقْنا إلى الطريق السويّ، {صِراطَ الذينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهم} فوفقتهم وهديتهم، فيجيب الله دعاءه ويمنحه

<<  <   >  >>