بنفسه عن أقوال الناس، فلا يثيره مدح ولا ذم ولا يستفزّه نقد ولا تقريظ، ما دام سالكاً الصراط المستقيم ومتبعاً الطريق القويم؟
كنا نأمل أن ينشأ فينا هذا الأديب، وكان يقوّي هذا الأملَ ما نراه من الشبان المبرزين في الأدب المخلصين للوطن، ولبث ينمو ويزداد ثباتاً حتى فاجأنا صوتٌ يقول لأدبائنا: دعوا الوطن وشأنه، لا تسخّروا أدبكم له ولا تتعبوا أنفسكم من أجله، بل الهُوا والعبوا، فما الأدب إلا أُلْهِيَّة!
هذا ما قاله الأستاذ جبري لتلاميذه في الكلية، وأفهمهم أن هذه الكلية لم تنشأ لمثل ما أنشئت له كلية الحقوق وكلية الطب من تخريج رجال عاملين لمنفعة الأمة، بل لإخراج أناس يدركون جمال هذا العالم! قال الأستاذ ما نصه:"إن الثقافة الأدبية لا تكون غايتها الكسب (وزد أنت: ولا منفعة الأمة!) فلا يدرس الإنسان الأدب ليعيش به (وزد أنت: أو لتعيش به أمته) كما يدرس الطب مثلاً، وإنما يحصل الأدب لِلَذَّته، وما ينبغي للأدب أن يكون إلا أُلْهِيَّة يتلاهى بها العقل"!
فالأستاذ يدعو إلى أدب مجرَّد يُدرَك به جمال العالم، ويستمد من النفس عواطفها وميولها وآلامها وآمالها، ومن الطبيعة جمالها وجلالها وحبها وإلهامها، ولا يعنيه أخلاق ولا عادات ولا يهمّه أمة ولا وطن، فهو ليس إلا ألهيّة، شأنها شأن الملاهي الأخرى، وإن قال إنها ألهيّة شريفة!
وهو يريد من شبّاننا الأدباء أن لا يروا الحياة إلا وسيلة من وسائل اللهو واللعب، وأن يسعوا للذتهم فيها ويفتشوا على