الجمال أين يقع منها، ويمضوا في طريقهم هذا دون أن يلتفتوا لأمتهم الملقاة على جانبه تئنّ وتشتكي، ودون أن يمدوا إليها يداً بمساعدة، وإنهم على مساعدتها لقديرون. وهو يريد من شباننا أن يستغنوا بوصف أحزان نفوسهم وأشجانها عن وصف شقاء الأمة وعذابها، وأن يصبّوا شعرهم ومواهبهم على قدمَي فتاة يعشقونها (أو يتخيلون أنهم يعشقونها) وربما كانت ساقطة أو بغيّاً، عن أن يصبوا بعضها على قاعدة بنيان الوطنية العظيم!
وهو يرى أن هذه الأمة قد بلغت من كل شيء ما تريد وأصبح لها كيانها واستقلالها، ولم يبق عليها إلا أن تلهو وتلعب، فهو يدلها على هذه الألهيّة الشريفة! بل هو يريد أن يُحِلّ هذا النوع من الأدب (وما هو إلا اتباع الهوى) محل الدين ووحي السماء! فيقول في محاضرته الأولى نقلاً عن أحد العلوج: "لقد ضَعُفَ الدين في كثير من رجال العصر وبَعُدَ أفق العلم عن كثير من الناس، فالأدب وحده (هذا الأدب الذي ذكره وحده من غير دين ولا علم!) هو الذي ينزع بنا عن الأثَرة الضيقة التي تغرس فينا غرائز الحيوانية".
* * *
على رسلك أيها الأستاذ، واعلم أننا في حرب، في نضال مستمر، في جهاد على البقاء وكفاح على الحياة، وأدباؤنا قادتنا، فماذا تكون الحال في جيش تركه قادتُه تحت أزيز الرصاص ودويّ القنابل، وراحوا يفتشون عن الجمال في بقعة الحرب ليلهوا ويلعبوا ويفرّجوا عن أنفسهم غمَّ هذه المعركة وهمّها؟
هؤلاء قادتنا، فيجب أن يَدَعوا اللعب واللهو جانباً، ويشمّروا