العبيد، فلا والله لن يُعْجِزنا أن نموت أشرافاً إذا نحن عجزنا أن نعيش أشرافاً.
يا أمة الحرية، يا فرنسا، اسمعي! فإني لا أُجَمجم الكلام ولا أديره على وجوهه التي ترضين عنها خوفاً أو طمعاً، فقد والله يئست حتى ما في نفسي مكان لأمل ولا متّسَع لخوف، وما بعد الذي كان يوم الأحد أمل ولا يأس ولا خوف.
لقد قُضي علينا أن نهبط من عليائنا وأن نُسلَب حرّيتنا ونفقد استقلالنا، ولكنه لم يأتِ بعد، ولن يأتي أبداً، ذلك اليوم المشؤوم الذي نخسر فيه إيماننا وشرفنا. فما بالك تسخّرين عبيدك السنغال لإذلالنا وازدرائنا؟ (١) لقد كنا نسير في رابعة النهار -ونحن فريق من طلاب الحقوق- أمام بردى، لا نحمل عصيّاً ولا مسدسات، لا نتأبط إلا كتباً خُدِعنا بها وحسبنا أنها صادقة وأن في الدنيا شيئاً اسمه «الحق»! ففَجَأَنا عبدٌ أسود، فانتهرَنا وسبّنا وكاد يُعمل حربته في بطوننا! أمّا ذنبنا الذي أتيناه فهو أن أيدينا كانت من البرد في جيوبنا، وإذن فنحن نخفي فيها قنبلة تنسف الانتداب من بلادنا!
قد كان هذا ونحن في القرن العشرين، قرن النور والحضارة، وويل له من قرن! لقد كان نوراً ولكن على غيرنا، لقد كانت فيه
(١) أتى الفرنسيون إلى الشام بفرقة من الجنود السنغاليين، وكانوا أشدَّ على أهل الشام من الفرنسيين أنفسهم، ذكرهم علي الطنطاوي في ذكرياته فقال: "ما أضعف الثورةَ إلاّ الذين خُدعوا من أبناء الشركس الذين تطوعوا للقتال وجنود السنغال الذين أُجبِروا عليه، ويوم القيامة يُبعثون على نيّاتهم ويؤاخَذون هم وغيرهم بأعمالهم، وفي رحمة الله متّسَع لكل من مات على الإيمان" (الذكريات ١/ ٢٧٨) (مجاهد).