أمر الطلاب ورفع شأنهم وعمل على ذلك أربع سنوات، وأنني -فوق هذا- صديق الوطنيين؛ ولكن هذه الصداقة لا تطمس عيني فتجعلني أبيع من أجلها وجداني وأرى من أجلها الحق باطلاً والباطل حقاً، ولا تمنعني -إذا اعتقدت أمراً وكان فيه مصلحة أمتي- أن أقوله، ولو لويت منه الشفاه والوجوه وسخط من أجله أقوام!
وأنا أعتقد أن مهمة الطالب هي درسه قبل كل شيء، وأن العلم الصحيح أكبر سلاح نواجه به أعداءنا، وأنه ليس من الحق ولا من المصلحة الوطنية أن يُضيع الطلاب دروسهم ليسيروا في الشوارع متظاهرين يصيحون:"يعيش فلان، ويسقط فلان" ... ثم يُقبَض على طائفة منهم فيودَعون السجون، فيعاشرون فيها مَن تفسد بمعاشرته أخلاقهم، ويخرجون منها وقد خُلقوا خلقاً جديداً، ولكنه خَلْق شرٍّ وبلاء، ويتمرد إخوانهم ويُضربون من جرّاء اعتقالهم، فتغلق المدرسة ويتشرد طلابها بين سمع الأرض وبصرها، فيصيروا في غدٍ من أحلاس المقاهي ورُوّاد الحانات، وقد كانوا بالأمس على مقاعد الدرس يقطفون من ثمر العلم كل شهي ويبنون من الثقافة الصحيحة دعائم المستقبل الزاهر، فتتأخر قضية البلاد ويخسر الوطن الخسران المبين، ونكون قد ربحنا حادثة تافهة يستغلها حزب من الأحزاب وتنشر خبرَها الجرائدُ وتكتب أسماء مَن كانوا أكثر جنوناً فيها فيصبحوا زعماء، ولا يقرؤون بعد اليوم درساً ولا يفتحون كتاباً وإنما يفتشون على مظاهرة جديدة أو اضطراب حديث، فإذا لم يجدوه أوجدوه، فازدادت العناصر الجاهلة في المدينة وازداد الاضطراب!