بل الأنكى من هذا أن طائفة كبرى من الطلاب أصبحت تفخر بسبّ الأساتيذ والتمرد عليهم وكسر أبواب المدارس ومقاعد الدرس ... وها هو معهد «التجهيز»، أكبر معهد علمي في البلد، قد ضاعت فيه الدروس سنة كاملة وعمَّ فيه العصيان، ولا تزال المنشورات تتدفّق تترا (١) في كل مناسبة وغير مناسبة تزيد هذه النار اضطراماً، توقّعها اللجنة التنفيذية لمؤتمر الطلاب. وما هذا المؤتمر إلا عشرون شخصاً ممّن أصبحوا بفضل الجرائد والسجون زعماء، في حين أن عضو اللجنة لا بدّ له من ثلاث صفات لا يكون إلا بها عضواً في اللجنة: أولاها أن يكون عميق الثقافة واسع المدارك لتكون آراؤه سديدة، وثانيها أن يكون ذا منزلة بين رفاقه وله احترام في نفوسهم لتكون آراؤه مسموعة، وثالثها وأهمّها أن يكون مستقيم السيرة حسن الأخلاق ليكون قدوة لهم حسنة ومثالاً كاملاً.
* * *
ومن العجيب في هذا الباب أن بعضاً من هؤلاء «الزعماء» قابلوني مساء أمس، فنصحتهم بالعودة إلى الهدوء والاستهداء بهدي العقل، فقالوا لي: أوَلم تكن أنت قبل أن تخرج من
(١) تُكتب هكذا بالألف الممدودة، وبالمقصورة أيضاً: «تترى»، كلا الوجهين صحيح، وهي ليست من وزن «تَفْعَلُ» بل من وزن «فَعْلى»، أصلها «وَتْرَى». وقولنا: "جاؤوا تَتْرى" أي متواترين (متتابعين وبينهم فجوات وفترات). وقد نبّه جدي في مواطن عدة من أحاديثه وكتاباته إلى أنها اسم وليست فعلاً كما يظن عامة الناس، قارئهم وكاتبهم على السواء! (مجاهد).