دمشق، لا أعرف عن هذا المشروع إلا أن القائمين به من خيرة شُبّان «التجهيز»، وأن قصدهم تمرين الطلاب على الكتابة، وأن لهم روحاً أدبية سامية واستعداداً كبيراً. وهذا القَدْر من المعرفة لا يكفي من كان في مثل موضعي. ثم إن السوق الأدبية في دمشق جامدة لا يروج فيها شيء، لأن الناس بين أديبٍ يقرأ ويقدّر، ولكنك إن وجدته وجدته مفلساً ليس معه قرش -كما هي سنة الله في الأدباء- وجاهلٍ لا يقرأ، وإذا قرأت عليه لا يفهم، وإذا أفهمتَه لم يَشْتَرِ أدبك بقرش! فلمَن نكتب؟ ومن أجل مَن تصدر هذه المجلات الأدبية، وننفق عليها من نفوسنا ومن مالنا؟
هذه هي الحقيقة، وهي مؤلمة، ولكني لم أجد بداً من ذكرها، وليس غرضي منها تثبيط الهمم وسد الطريق في وجوه إخواننا الذين يُقْدمون على العمل بحَمِيّة الشباب وثورته ويستسهلون في سبيل غايتهم كل صعب. ولست أريد أن أَحول بينهم وبين إصدارها، وإنما أريد أن أعتذر عن كتابة المقدمة، وأدلي لهم برأيي عن الأسلوب الذي يجب عليهم اتّباعه دون أن أحملهم على ذلك.
* * *
أذكر أن أستاذنا في دار العلوم العليا في مصر كان إذا تكلم في الشعر قرر أنه ميّزة للعرب لا يشاركهم فيها غيرهم من الأمم، وأنهم ذهبوا به دون الناس جميعاً، وأذكر أنه كان يردّ علينا -إذا عارضناه في رأيه وتَلَوْنا من أشعار الفرنسيين والإنكليز- بأن الجاحظ قد قال هذا، وليس بعد الجاحظ متّسَع لقائل.
وأرى اليوم فئة من شبابنا المجدِّدين في الأدب الذين يجهلون