كان السنوسي إلى سنة ١٩١٦ صاحبَ الكلمة النافذة التي لا مَرَدَّ لها من حدود مصر إلى شاطئ الأطلسي، وكان اسمه مصدر الرعب والإجلال، وكانت الزوايا السنوسية منتشرة في الصحراء تبث فيها الروح والحياة، وكان السنوسيون أينما أرسلوا رُسُلهم شادوا زاوية. والزاوية مسجد ومأوى وقلعة ومدرسة في آن معاً، وشيخ الزاوية هو القائد والقاضي والمدرّس والواعظ ... إن الزوايا هي مراكز الحياة في الصحراء.
كان جد السنوسي تلميذاً للسيد أحمد بن الإدريسي الذي قدم مكة من مراكش وأقام فيها يعظ ويعلّم، وكان ذلك سنة ١٢٤٠ هجرية، ثم بَثَّ تلاميذه في الآفاق لينشروا طريقته في الناس. وكان السنوسي رسوله إلى طرابلس، فلم ينشر الطريقة كما كان ينشرها شيخه، بل أسس جمعية نظامية متينة البناء تشبه في متانة تكوينها الجماعات الكبرى في أوربا: الفاشستية مثلاً، وتشبه من ناحية أخرى نظام الفرسان الذي عرفته أوربا في القرون الوسطى.
وكانت خطته قتال الفرنسيين ثم الطليان، أما الإنكليز فكان ينوي تأجيل المعركة معهم، فلما قامت الحرب العامة أرسل أنور باشا إلى السنوسي الكبير -بإيعاز من السفارة الألمانية- يطلب إليه أن يغزو مصر تمهيداً للثورة فيها، فأبى السنوسي ذلك، وبعث باليوزباشي جمال (جمال باشا فيما بعد) إلى القسطنطينية على مركب شراعي فقرر فيها أن السنوسي الذي يقاتل الطليان لا يقوى على قتال الإنكليز معهم. ولكن القيادة العليا أصرت على رأيها، وذهب نوري شقيق أنور باشا إلى ليبيا وأجبر السنوسي على الهجوم، فكانت النتيجة الفشل لأن مصر لم تُرِدْ (أو لم تستطع)