وليحترم عقله وليقدّس واجبه، فليس يكفي الشاعر أن يقول: هذه عاطفتي، ثم يأتي بكل مخدِّر للحس الوطني وكل بليّة خلقها الله، ويزعم أن هذا هو العاطفة، وأن عاطفة الشاعر فوق النقد وفوق العقل!
وليس يجوز لشاعرنا أن يقول بمقالة شعراء الفرنجة:«الفن للفن»، كلا، فهذا هو القياس مع الفارق. للفرنجة مدافع وأساطيل وطيارات، فليستتر شعراؤهم بها وليغنّوا، أما نحن فمدافعنا وأساطيلنا وطياراتنا إنما هي في الأدب والشعر، وفي الإيمان قبلهما؛ فليكن لنا من كل مقالة مدفع، ومن كل قصيدة أسطول، ومن الإيمان قوة دونها قوة الطيارات.
حسبنا بكاءً ويأساً ورثاء للماضي وفزعاً من المستقبل وتبرّماً بالحياة، وتصديقاً بالحب العذري وقاعدة «الفن للفن» وما إلى ذلك من سخف وبَلادة!
* * *
إننا نحتاج إلى الأديب الذي عرف آمال الأمة وآلامها، وأدرك ما يَسُرّها ويسوؤها، ثم تقدم لتصوير آلامها وتقويتها على تحقيق آمالها. نحتاج إلى الأديب الذي قتل التاريخ علماً وغاص على خفاياه ومعضلاته فأوسعها فهماً، ثم عمد إلى مواطن الفخر ومواقف الأسى فصاغها قصيدة عصماء، كل بيت منها بمثابة قطرة من الدم تُهراق على مذبح الحرية والاستقلال. نحتاج إلى الأديب الذي آمن بعقيدة سامية فيها مصلحة الوطن، ثم وقف نفسَه على الدفاع عنها وتأييدها. نحتاج إلى الأديب الذي ترفّع بنفسه عن