الوطنية. ولا يلزم نصحنا لهم أن نكون خيراً منهم أو أعقل، لا، فما نريد الآن أن ندّعي شيئاً من هذا، وما نريد إلا الإصلاح ما استطعنا.
* * *
ويحسن بنا -قبل أن نتوغل في الموضوع- أن نتساءل: ما هي الوطنية؟ أهي كل عمل ينفع الأمة ويعود على الوطن بالخير والفائدة، أم هي قاصرة على الانتساب لحزب من الأحزاب وعلى الصياح والتهليل والهتاف؟
هنا تبدأ مسألتنا: فعلى الرغم من صحة الرأي الأول نجد أن الثاني -على فساده- هو المعروف بيننا، الذي يقرّه الناس بأفعالهم وإن لم يكن هناك من يجرؤ على الدفاع عنه وتأييده، بل ربما سعوا إلى البراءة منه. غير أننا نُثبت سَلَفاً أن الناس يفهمون الوطنية هذا الفهم المقلوب بما نجده من احترامهم لأناس ليس لهم من فضيلة إلا السعي في إغلاق المدينة أو تسيير المظاهرة، أو تشقيق الحناجر بالهتاف في كل مناسبة وفي غير مناسبة. ويكفي أن يُطرَد طالب أو يُضرَب إنسان حتى تغلق المدينة. ونحن لا نريد السكوت على طرد طالب ظلماً أو ضرب إنسان اعتداء، ولكننا إذا أغلقنا المدينة لمثل هذا الحادث التافه فماذا نصنع إذا وقع لنا من الحوادث ما فيه روعة وجلال؟ وإذا كنت تطلق مدفعك على هرة فماذا تعمل إذا عدا عليك الأسد؟
هذه الأولى، فأنا أودّ لو احتفظ إخواننا بقوتهم ليوم الحاجة ولم يضعوا السيف في موضع العصا.