والثانية: أن الوطنية ليست تقتصر على هذا اللون من ألوان العمل، بل هي تتسع لأكبر منه فتشمل التجارة والصناعة والعلم، بل ربما كان المدرّس على منبره والتلميذ على مقعده والتاجر في دكانه والصانع في مصنعه أكثرَ وطنية من تلميذ يدع دروسه ويعطل مستقبله. لماذا؟ قال: ليصيح في الطرقات وتكتب اسمَه الجرائد! ومن أستاذ ضعيف يريد أن يتودد إلى طلابه خشية من شغبهم عليه فيحثّهم على الإضراب والفوضى من وراء ستار، وصحفي يريد أن يروّج جرائده فيختلق الأخبار أو ينفخها كما يُنفَخ بالون العيد!
هذه هي النصيحة الثانية، وهي أن ينظر كل مواطن إلى النقطة التي هو فيها، فيسعى إلى خدمة الوطن فيها، دون أن يدعها فيضيع وتضيع أمته.
والثالثة: أن الوطنية ملك للناس أجمعين وبابها مفتوح على مصراعيه لكل داخل، لا كما هي الحال عندنا: محصورة في فئة واحدة يكون الرجل وطنياً إذا انضوى تحت لوائها، وإلا فلا يُعَدّ إلا رجعياً خائناً مهما كان له في خدمة الوطن من مواقف حميدة وأعمال مجيدة!
والرابعة: أن الشرف قبل الوطنية، فليس يجوز للشاب الناشئ أن ينحط عن منزلته الشريفة ويأتي ما لا يأتلف مع الأخلاق الفاضلة، ولو كان في ذلك نجاح القضية الوطنية. وليس في هذا شيء من الأنانية أو حب الذات، وإنما هو الواجب، إذ إن الأمة الشريفة تستطيع في كل ساعة أن تسعى إلى غايتها، أما إذا خسرت