للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أنا رجعي؟

- نعم، أنت. إنك تعود بنا إلى القرون الوسطى!

- يا للتقليد الأعور! إن صاحبكم لا يدري ماذا يقول.

- بلى، أدري. إن القرون الوسطى هي الجهل وهي التعصب وهي الظلام.

- ذاك في أوربا، أما في الشرق الإسلامي فهي العلم وهي الحضارة وهي النور.

* * *

وسكتوا جميعاً لأن الورقة العجوز قد حشرجت وتلاحقت أنفاسها، فحفّوا بها واجمين لروعة الاحتضار وجلال الموت، ثم أدركتها قوة فرفعت رأسها وشكرت لهنّ ما صنعن بها، فقال لها «المجيدي»: من أين أنت يا أختاه؟ وما هو شأنك؟

فهمهمت (١)، ثم أنشأت تقصّ حديثها بصوت خافت. قالت: لست بحمد الله متكبّرة ولا مزهوّة، وإنكم لأكرم مني عنصراً وأسمى محتداً، وما أنا إلا واحدة من غمار المخلوقات. لقد كانت أمي قشرة شجرة تحنو على شجرتها وتدفع عنها عادية الحَرّ والقَرّ (٢) ولفح الريح ووهج الشمس، وكانت تُظهر للناس حقيقتها، فلا تخدعهم عن نفسها بثوب برّاق ولا زينة مستعارة.


(١) الهمهمة هي الكلام الخفي.
(٢) القر -بفتح القاف وبالضم- البرد، ولكنهم أوجبوا الفتح مع «الحَر» للمشاكلة (مجاهد).

<<  <   >  >>