خسرت من أصلي ولغتي وديني، ولكن حين لم يعد ينفع البكاء، فاستسلمت للقدر وخضعت لمشيئة الله. ولما رأوا أني ثابتة على ورقيّتي لا أحاول الخروج عنها والانسلاخ منها أنعموا عليّ بهذا الثوب المبرقَش وهذه التزاويق، وقالوا لي: قد جعلناك بخمسين من الجنيهات الذهبية، فسيري في الأرض وانشري في الناس هذه الوكالة وتكلمي باسم هذه الخمسين جنيهاً. قلت: ولكنهم لم يوكلوني ولم يفوضوني، فكيف أدّعي أنني وكيلة بخمسين ذهباً، وأنا وخمسون من مثلي بقرش! قالوا: عَدّي عن هذا، فما هو من شأنك وما عليك إلا أن تسمعي فتطيعي، ولئن فاتك أن يكون وراءك ذهب فإن وراءك جيشاً، فقرّي نفساً وسيري على بركات الله! (١)
(١) في الماضي تعامل الناس في الولايات العثمانية بالليرات الذهبية، وقد أصدر العثمانيون بعض الإصدارات النقدية الورقية التي لم تلقَ رواجاً بين الناس، رغم أنها كانت مغطاة بالذهب بنسبة مئتين بالمئة وقابلة للاستبدال الفوري بالليرات الذهبية عند الطلب. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى ومع الانهيار العسكري والاقتصادي للدولة أبطل الاتحاديون التعامل بالذهب وفرضوا النقد الورقي غير المغطى، لكن الناس تهرّبوا منه وأصروا على التعامل بالعملة الذهبية التي زادت قيمتها مع ازدياد الطلب. وبعد احتلال سوريا أصدر الفرنسيون عملات ورقية غطاؤها من الفرنكات الفرنسية وليس من الذهب، وحدّدوا أجلاً قصيراً لمبادلة الليرة الذهبية القديمة (التي أُلغيت وصار التعامل بها غيرَ قانوني)، فسحبوا النقد الذهبي كله وأحلّوا محله ليرات ورقية أصدرها «المصرف السوري» بأمر المندوب السامي الفرنسي، وقد أُخضع هذا النقد الورقي الجديد للتداول الإلزامي وكان غير قابل للتعويض بالذهب! (مجاهد).