على أن الحقيقة التي يجب أن نقولها أن هذه التربية لا يصحّ أن تسمى تربية إلا مجازاً، لأنها على الحقيقة إهمال من الآباء واستسلام للظروف وخضوع للأقدار، دونَما غاية معينة وطريقة مختارة.
والتربية عندنا تختلف باختلاف الأسر وطبقتها في الهيئة الاجتماعية، فتكون تارة بيد الأب وأخرى بيد الأم، وهي في كل أحوالها بيد جاهلين! ولقد خبرت التعليم قليلاً فعرفت كم يقاسي المدرّسون من عَناء في إصلاح تربية التلاميذ، ثم لا يصلون إلى نتيجة لأن التربية المنزلية متمكنة منهم. وكيف يُقلع التلميذ عن السباب والملاعنة وهو يرى والديه كل ليلة يتلاعنان ويتشاتمان؟ وكيف يَصْدق وليس في داره صادق؟ وكيف يتعلم الاتحاد وهو يبصر أباه وأمه وعمّته وجدّته يشكلون في الدار أحزاباً سياسية يكيد بعضها لبعض وينصب بعضها لبعض شَرَك الخديعة؟
وإذن فلا بد من إصلاح التربية. وإصلاحها لا يكون إلا باصطناع طرق التربية الحديثة بعد تحويرها بحيث توافق محيطنا وديننا، ودينُنا وحدَه كفيل بذلك، إذ هو دين الحضارة ودين العقل ودين الاجتماع. ويا حبّذا لو استُخلصت آراء الدين في التربية فنُشرت بأسلوب عصري فعمَّتْ فائدتها الناس كلهم، وأنى لنا بهذا؟
(٣) اختلاف العادات
إن أكثر ما يدهش الغريب -إذا حضر اجتماعاً عاماً عندنا- ذلك الاختلاف في الأزياء والألبسة الذي يجعل الشام كأنها حقاً