فمَن كلّمهم بالعربية ازدرَوه واحتقروه، ودروس المدرسة تُلقَى بالتركية، فمن لم يعرفها ويفهم بها عاقبوه وأسقطوه! وكنا نسمع بآذاننا احتقار «ابن العرب» وسبّه وتقديم التركي وتعظيمه! كنا من حكم الاتحاديين المارقين في ظلام، فأصبحنا يوماً فإذا الظلام قد انقشع، وإذا العلم الأحمر الذي كان يرفرف على بناية السُّوَيْقات، حيث كان الشباب يُساقون إلى الموت في سبيل الألمان وكان الأموات من الجوع مرميين في الطرقات، إذا هذا العَلَم قد اختفى وعُلِّق مكانه علمٌ جديد له أربعة ألوان، وإذا الهتاف الذي كنا نُلزَم به كل صباح قد خفت وانقطع وارتفع مكانه هتافٌ جديد ما سمعنا بمثله من قبل: الهتاف بحياة الاستقلال العربي". (١)
* * *
(١) الذين يذمّهم علي الطنطاوي هنا هم الاتحاديون الذين تنكروا للعربية وعادَوا الإسلام، لا الأتراك العثمانيون الذين عاشت الشام في سلطانهم من قبل لعدة قرون؛ قال: "ما يسمّيه السفهاء منا «الاستعمار العثماني» لم يكُن استعماراً، لأن حكم المسلم (ولو كان تركياً) لبلد مسلم (ولو كان عربياً) لا يسمّى في شرعنا حكماً أجنبياً، والمسلم لا يكون أبداً أجنبياً في ديار الإسلام. ونحن ما كرهنا الاتحاديين لأنهم أتراك، بل لأنهم حادوا عن جادة الإسلام فأساؤوا للمسلمين جميعاً، من عرب وأتراك" (انظر الحلقة الحادية عشرة في الجزء الأول من «الذكريات»). وقال: "ما كان الترك العثمانيون الأوَّلون أمةَ سوء، ولقد تسلموا الحكم والأرضُ الإسلامية مِزَق مرقَّعة ورُقَع ممزَّقة، في كل مدينة مَلِكٌ وعلى كل رابية عَلَم، مماليكها ملوكها وعبيدها سادتها، فأقاموا للإسلام دولة كانت ثالثة الدولتين الكبيرتين: الأموية والعباسية في صدر تاريخها، وكان منها أولَ الأمر ملوكٌ صالحون كبار، ثم =