المنصور، وأنه قال لمالك: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به يشفعه الله فيك. فهذه الرواية ضعيفة، أو موضوعة لأن في إسنادها من يتهم محمد بن حميد، ومن يجهل حاله.
ونص أحمد أنه يستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، لئلا يستدبره وذلك بعد تحيته والسلام عليه، فظاهر هذا أنه يقف للدعاء بعد السلام. وذكر أصحاب مالك أنه يدعو مستقبلاً القبلة يوليه ظهره.
وبالجملة فقد اتفق الأئمة على أنه إذا دعا لا يستقبل القبر، وتنازعوا هل يستقبله عند السلام أم لا؟ ومن الحجة في ذلك ما روى ابن زبالة وهو في «أخبار المدينة» عن عمر بن هارون، عن سلمة بن وردان - وهما ساقطان - قال: رأيت أنس بن مالك يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسند ظهره إلى جدار القبر، ثم يدعو.
(تحريم شد الرحال إلى القبور، لأنه من أعظم أسباب الشرك بها، وبأصحابها)
وفي الحديث (١) دليل على منع شد الرحال إلى قبره - صلى الله عليه وسلم -، وإلى غيره من القبور والمشاهد، لأن ذلك من اتخاذها أعيادًا، بل من أعظم أسباب الإشراك بأصحابها، كما وقع من عبَّاد القبور الذين يشدون إليها الرحال، وينفقون في ذلك الكثير من الأموال، وليس لهم مقصود إلاَّ مجرد الزيارة للقبور تبركًا بتلك القباب والجدران فوقعوا في الشرك.
هذه المسألة التي أفتى فيها شيخ الإسلام، أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ومشاهدهم، ونقل فيها اختلاف العلماء في الإباحة
(١) أي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا قبري عيدًا».