والمنع، فمن مبيح لذلك كأبي حامد الغزالي وأبي محمد المقدسي، ومن منع لذلك كابن بطة وابن عقيل وأبي محمد الجويني والقاضي عياض، وهو قول الجمهور نص عليه مالك، ولم يكن يخالفه أحد من الأئمة وهو الصواب. فقام عليه بعض المعاصرين له كالسبكي ونحوه فنسبه إلى إنكار الزيارة مطلقًا وهو لم ينكر منها إلاَّ ما كان بشد رحل، كما أنكره جمهور العلماء قبله أو الزيارة التي يكون فيها دعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الملمات، مع ما ينضم إلى ذلك من أنواع المنكرات.
ومما يدل على النهي عن شد الرحل إلى القبور ونحوها، ما أخرجاه في «الصحيحين» عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، فدخل في ذلك شدهما لزيارة القبور والمشاهد، فإما أن يكون نهيًا، وإما أن يكون نفيًا للاستحباب. وقد جاء في رواية في «الصحيح» بصيغة النهي صريحًا فتعين أن يكون للنهي.
ولهذا فهم منه الصحابة المنع، كما في «الموطأ» و «السنن» عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة وقد أقبل من الطور: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُعمل المطي إلاَّ إلى صلاة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».
وروى الإمام أحمد، وعمر بن شبة في «أخبار المدينة» بإسناد جيد عن قزعة قال: أتيت ابن عمر فقلت: إني أريد الطور. فقال: إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، فدع عنك الطور فلا تأته.
وروى أحمد وعمر بن شبة أيضًا، عن شهر بن حوشب قال: سمعت