للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وكيف يتخيل صدور الذنب فى حقه صلى الله عليه وسلم، وقد عصمه ربه عز وجل فى قوله وفعله وخاطبه بقوله سبحانه: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحى يوحى} (١) وقال عز وجل: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} (٢) . "ومن تأمل إجماع الصحابة على اتباعه صلى الله عليه وسلم والتاسى به فى كل ما يقوله ويفعله من قليل أو كثير، أو صغير أو كبير، ولم يكن عندهم فى ذلك توقف ولا بحث، حتى أعماله فى السر والخلوة، يحرصون على العلم بها، وعلى اتباعها، عَلِمَ بهم صلى الله عليه وسلم أو لم يعلم، ومن تأمل أحوال الصحابة معه صلى الله عليه وسلم استحى من الله تعالى أن يخطر بباله خلاف ذلك" (٣) .

ثم إن حقيقة الذنب فى اللغة ترجع إلى كل فعل يُسْتَوخَمُ عُقباَهُ كما فسره الراغب فى مفرداته (٤) . وشرعاً: يرجع الذنب إلى مخالفة أمر الله تعالى أو نهيه.

وهو أمر نسبى يختلف باختلاف الفعل والفاعل، وقصد الفاعل، فليست المخالفة من العَالم كالمخالفة من الجاهل، وليست المخالفة الواقعة عن اجتهاد، كالمخالفة التى لا تقع عن اجتهاد، وليست المخالفة الواقعة بالقصد والتعمد، كالمخالفة الواقعة بالنسيان.

ومن هنا تختلف الذنوب ومسئولياتها بالنسبة للفاعل، والحوادث. وعلى ضوء ذلك نفهم معانى الآيات التى ورد فيها إسناد الذنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مضافاً إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم (٥) .


(١) الآيتان ٣، ٤ النجم.
(٢) الآية ٢١ الأحزاب.
(٣) وهذا رد الإمام السبكى على الزمخشرى فى تفسيره لآية ٢ الفتح بأن المراد: جميع ما فرط منك. الكشاف ٤/٣٣٣. وينظر: المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى ٩/٢١، ٢٢.
(٤) ص٢٠٣.
(٥) ينظر: آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى ضوء العصمة للدكتور عويد المطرفى ص١٠٨.

<<  <   >  >>