للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. إذ صحب مع دخول الملك عليه فى متعبده، دون تمهيد، ورؤيته للملك فى صورته الملائكية، وأمره بالقراءة، صحب كل ذلك مع ما فيه من شدة شدائد أخرى، إذ غطه الملك ثلاث مرات، والغط: العصر الشديد، وحبس النفس، وكأنه أراد ضمنى وعصرنى، أو أراد غمنى، ومنه الخنق، ويدل عليه رواية أبو داود الطيالسى "فأخذ بحلقى" (١) . وفى كل مرة من هذا الغط بلغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجهد" مبلغه وغايته حتى ظن بنفسه الموت (٢) .

٣- وثالث ما يعين على فهم قوله "لقد خشيت على نفسى" نزول الوحي عليه بأوائل سورة "العلق" وحالات النبى صلى الله عليه وسلم وقت نزول الوحي عليه كلها شدة، فهى حالات خاصة تتغلب فيها روحانيته على بشريته، ليتصف بصفة الملك، ليقع بينهما التناسب والتجانس، ويتم التلقى على أكمل وجه وأثبته.

... يقول الإمام ابن حجر: "وهى حالة يؤخذ فيها النبى صلى الله عليه وسلم عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخى، يحصل له عند تلقى الوحي، ولما كان الرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال، خص الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ببرزخ فى الحياة، يلقى إليه فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار" (٣) .

... ويدل على شدة الوحي أثناء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منها:

حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه قال: "كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة، وعرق عرقاً شديداً مثل الجمان ثم سرى عنه. وكنت أكتب وهو يملى على، فما أفرغ حتى تكاد رجلى تنكسر من ثقل الوحي، حتى أقول: لا أمشى على رجلى أبداً".


(١) يراجع تخريج حديث بدء الوحي ص١٩٨.
(٢) ينظر: فتح البارى ١/٣٣ رقم٣، ومحمد رسول الله لمحمد عرجون ١/٢٦٤.
(٣) فتح البارى ١٢/٣٧٤ رقم ٦٩٨٢.

<<  <   >  >>