للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يؤكد ما سبق من تفسير الخشية قوله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا أمشى، إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصرى، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت، فقلت: زملونى" (١) وهذا الحديث وإن كان فى واقعة أخرى، لكن ما جاء فيه من قوله: "فرعبت منه" قرينه قوية على أن خشيته صلى الله عليه وسلم على نفسه كانت مما رأى من المفاجآت السابق ذكرها، فضلاً عن شدة الوحي التى اعترته لأول مرة، وهو فى غار حراء، وكلها أمور تضعف عن حملها فطرة البشر. فالخوف والخشية، لا يصادم الإذعان والإتقان بشئ أصلاً، لأنه فى بنية البشر، قال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} (٢) .

وكما جاز لموسى عليه السلام أن يخاف من عصاه حين صار ثعباناً، ولم يصادم ذلك إيمانه، جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً أن يخشى عند رؤية الملك بهيئته الملائكية، وغطه، وشدة الوحي، فكل ذلك ليس بأقل من عصا موسى عليه السلام (٣) .


(١) سبق تخريجه ص١٩٨، ٢٠١.
(٢) الآية ٢٨ النساء.
(٣) ينظر: حاشية البدر السارى إلى فيض البارى لمحمد بدر ١/٢٦، ٢٧.

<<  <   >  >>