وكما هو معلوم فإن النبوة لا تمنع الأعراض البشرية التى لا تنافى العصمة، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت له النبوة قطعاً قبل مفاجأة الغار، وقبل فترة الوحي (١) .
فإذا روى أنه فزع من هول المفاجأة، وما حف بها، فلا يجوز قط أن يقال: إنه فزع فزعاً أذهله عن مقام نبوته فلم يتمكن من التأمل، وخشى على نفسه أن يكون كاهناً أو أن يكون به جنن.
كما لا يجوز قط أن يقال عنه: إنه حزن على فتور الوحي حزناً أخرجه عن عصمة النبوة والرسالة، وحمله على محاولة قتل نفسه.
(١) معنى فتور الوحي: ضعفه، وتأخر مجيئه مدة من الزمان، ولذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تواصله وتواليه بقوله: (فحمى الوحي وتتابع) وذلك فى نهاية حديث جابر المتقدم قال الحافظ ابن حجر: (فحمى الوحي) أى جاء كثيراً، وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور، إذ لم ينته إلى انقطاع كلى، حتى يوصف بالضد وهو البرد، وقوله: وتتابع، تأكيد معنوى، ويحتمل أن يراد بحمى: قوى، وتتابع: أى تكاثر، وفى بعض الروايات: وتواتر، وهو مجئ الشئ يتلو بعضه بعضاً من غير تخلل، وليس المراد بفترة الوحي المقدرة... ما بين نزول {اقرأ} و {يا أيها المدثر} عدم مجئ جبريل إليه، بل تأخر نزول القرآن فقط. ينظر: فتح البارى ١/٣٦ – ٣٨ رقم ٣.