للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. فحامل الوحي ملك منفصل عن ذات محمد صلى الله عليه وسلم، ليس خيالاً فيها، وله من الصفات ما بينها الله فى قوله: {إنه لقول رسول كريم. ذى قوة عند ذى العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم بمجنون. ولقد رآه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بضنين. وما هو بقول شيطان رجيم} (١) .

خامساً: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يستشرف النبوة، وما كان يرجوها، ولم يطمع فى حصولها له، بل لم يرد فى الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم، يرجو أن يكون هو النبى المنتظر الذى يتحدث عنه علماء اليهود والنصارى قبل البعثة، ولو ثبت ذلك عنه لما ترك المحدثون تدوينه، وقد دونوا ذلك عن أمية بن أبى الصلت، لما كان يتوقع أن يكون نبياً.

... وقد جاء فى القرآن نفى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، فى قوله تعالى: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك} (٢) فما كان صلى الله عليه وسلم يظن أن الوحي قبل إنزاله عليه، ينزل عليه، وإنما أنزله الله رحمة به وبالعباد، فهو نعمة من الله وفضل (٣) .

... وأما اختلاؤه صلى الله عليه وسلم وتعبده فى الغار عام الوحي، فلا شك فى أنه كان بقدر الله تعالى ومقويا مقوياً لذلك الاستعداد الوهبى، وعصمة ربه له بالعزلة وعدم مشاركة المشركين فى شئ من عباداتهم ولا عاداتهم، ولكنه لم يكن يقصد به الاستعداد للنبوة، لأنه لو كان لأجلها لاعتقد حين رأى الملك أو عقب رؤيته حصول مأموله، وتحقق رجائه، ولم يخف منه على نفسه!.


(١) الآيات ١٩ – ٢٥ التكوير.
(٢) الآية ٨٦ القصص.
(٣) ينظر: الوحي المحمدى لمحمد رشيد رضا ص١٢٣، ١٢٤، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم فى القرآن لحسن ضياء الدين العتر ص٢٢٥، والإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء ص٢٠٨، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٦/٢٧١.

<<  <   >  >>