للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وإنما كان الباعث لهذا الاختلاء والتحنث، اشتداد الوحشة من سوء حال الناس فى عقائدهم وأخلاقهم، والهرب منها، إلى الإنس بالله تعالى والرجاء فى هدايته إلى المخرج منها (١) .

سادساً: إن الوحي الذى حدث للنبى صلى الله عليه وسلم هو حدث إلزامى فجائى طارئ لا يمكن إحضاره واجتلابه، وبالتالى لا يمكن دفعه ورده.

... ومن أوضح الأدلة على ذلك، ما يعتريه من أعراض جسدية لا سيطرة له عليها، كاحمرار وجهه، وتتابع أنفاسه، وسماع غطيط منه، وما يتقاطر منه من عرق فى اليوم الشديد البرد، وثقل جسمه، وما يسمعه الصحابة عند وجهه من صوت كدوى النحل، وقد سبق ذكر الأحاديث الدالة على ذلك (٢) .

... ومما يدل على ذلك أيضاً، ما انتابه صلى الله عليه وسلم من أحوال نفسية تمثلت فى خوفه من ملك الوحي فى مبدأ أمره، كما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد خشيت على نفسى" وقوله: "زملونى زملونى، حتى ذهب عنه الروع" (٣) وفى رواية قال: "فإذا الذى جاءنى بحراء جالساً على كرسى بين السماء والأرض، فجئثت منه رعباً" (٤) .

... وهذه الأعراض والشدائد كانت لا تعتريه صلى الله عليه وسلم إلا فى فترات وجيزة وبرهات متقطعة، وذلك عند نزول الوحي عليه.

... والدليل على أنه صلى الله عليه وسلم، لا قدرة له على إحضار الوحي وجلبه، فتور الوحي، وانقطاعه عنه، فترة من الزمن حتى شق ذلك عليه وأحزنه، وأقض مضجعه، ثم جاءه جبريل بعد ذلك بقوله تعالى: {والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى} (٥) .


(١) الوحي المحمدى ص١٣١، ١٣٢ بتصرف.
(٢) يراجع: ص٢٦ – ٢٩.
(٣) سبق تخريجه ص١٩٨.
(٤) سبق تخريجه ص٢٠١.
(٥) الآيات ١ – ٣ الضحى.

<<  <   >  >>