وتأمل الآية السابقة:{لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}(١) فداود وعيسى عليهما السلام، لعنوا الذين كفروا من بنى إسرائيل، فإذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كفروا من قومه لم يكن بدعاً من الرسل: وإذا لعن العصاة من هذه الأمة كما ورد فى القرآن الكريم، وكما أوحى إليه ربه بوحى غير متلو. كنحو الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم بينة إلا أنفسهم، وكالذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، وكنحو الواصلة والواشمة، والسارق، ومن لعن والديه...الخ.
إذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هؤلاء بصفتهم دون أشخاصهم كما أوحى إليه ربه – بوحى متلو أو غير متلو – لم يكن فى ذلك ما يشوه سيرته العطرة، ولا ما يطعن فى عصمته فى سلوكه وهديه وخلقه. لأن المنهى عنه من اللعن تحديد أسماء من يلعن، دون صفة فعلهم، وقد جاء التوجيه الربانى لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، لعل الله أن يتوب عليهم، وهو ما حدث مع بعضهم على ما سبق فى حديث ابن عمر من رواية الترمذى.
رابعاً: ليس فى حديثنا ما يعارض ما ورد فى أحاديث أخرى نحو حديث أبى هريرة قال: قيل يا رسول الله! ادع على المشركين قال: "إنى لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة" وحديث: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" لأن هذه الأحاديث مطلقة، وجاء ما يقيدها، وحمل المطلق على المقيد حينئذ واجب، جمعاً بين ما ظاهره التعارض.