[هل يباح الكذب أو يجب؟]
هل هناك كذب مباح؟ نعم، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول: خيراً وينمِي خيراً) ولم أسمعه يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس (رخص النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الكذب في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها).
فإذاً: الكذب في الحرب جائز؛ لأجل مخادعة العدو، والحرب خدعة، مثل أن يقول: إن جيش المسلمين كثير، عشرة آلاف، وربما هم لا يتجاوزون الألفين أو الثلاثة، فيكذب على العدو بإعطائهم أخباراً عن جيش المسلمين أنه كثير لأجل إخافة العدو، هذا ماذا؟ كذب مشروع، ولا حرج فيه، ويُتَقَرَّب به إلى الله.
كذلك الكذب للإصلاح بين متخاصمَين، كأن يقول: يا فلان! لم لا تكلم فلاناً، فيقول: هذا عدوي يتكلم علي، هذا بلغني أنه تكلم علي في المجلس الفلاني، فيقول: أنا كنت حاضراً ولم أسمعه يتكلم، وهذه إشاعة، ولا تصدق هذا الكلام؛ لأجل الإصلاح بينهما.
أو يقول: إنني سمعته يثني عليك وهو لم يسمعه يثني عليه، ولكن لأجل الإصلاح بين المتخاصمَين، فهذا لا حرج فيه.
أما حديث الرجل لزوجته: لو قال إنسان لزوجته: أنتِ أجمل امرأة رأيتها في حياتي، ومن المؤكد أنها ليست أجمل امرأة؛ لكن من باب التحبب إليها.
أو يقول: هذه الطبخة أحسن طبخة أكلتها في حياتي، ما أكلت ألذ منها، من باب التلطف مع الزوجة وحسن المداعبة والمعاشرة، مع أنه ربما أكل في مطعم أحسن منها، لكنه يقصد التقرب إلى الزوجة، والحديث معها ليس حديثاً يأكل به حقها ولا مهرها ولا يعتدي عليها أو يهضم شيئاً من حقوقها، لا يقول مثلاً: أنا ما أخذت ذهبك وهو الذي أخذه، كذاب.
وكذلك المرأة لا تقول: إنني ما أخذت مالك، وهي التي أخذت ماله، وإنما الكذب الذي يكون من نوع المِلْح الذي تُحَسَّن به المعيشة.
وكذلك من الكذب الواجب: ما لو قصد إنسان ظالم قتل رجلٍ مختفٍ عندك وجب عليك أن تكذب؛ لئلا يعلم أين هو، فلو قال: هو عندك؟ تقول: لم أره جاز ذلك.
مثلاً لو أن ظالماً يريد أن يأخذ مال واحد قال: هل مال فلان عندك؟ قال: لا.
لم يضع عندي ولا قرشاً، بالعكس أنا لي عنده فلوس، فالكذب لإنقاذ روح إنسان معصوم الدم، أو لتخليص مال مسلم من الهلاك، هذا مشروع.
ونَظَم أحد الشعراء المسلمين أقسام الكذب فقال:
لِخَمْسَةٍ ينقسم الكذب فما لا نفع شرعاً فيه قطعاً حُرِما
وما لوالدٍ لجبر خاطرهْ أو خاطر الزوجة دعه فكُرِهْ
وهو لإرهاب العدو يندبُ للمسلمين إن هم تأهبوا
وإن تخلص مسلماً أو مالَهُ به فعلت واجباً تجزى لََهُ
ولصلاحٍ بين ناسٍ قد أبيحْ وقيل: إن الكذب كله قبيحْ
فإذا كان الكذب لتخليص مسلم أو ماله من الهلاك فإنه يكون واجباً.
وإذا كان لإرهاب أعداء الدين كأن يخبرهم بكثرة عدد المسلمين، وأنهم آتون، وأنهم قريبو المجيء، فهذا أيضاً مشروع ومستحب.
قيل: إن الإصلاح بين الناس من قسم المباح، ولا يبعد أن يكون من قسم المشروع.
وقيل: ما كان جبراً لخاطر، فإنه مكروه، وما لا نفع فيه شرعاً فإنه محرم.
ولا شك أنه إذا كان مضراً فهو محرم، مثلك أن يكذب ويقول: سآتيك بالمال، وهو كذاب لن يأتيه به، مالك عندي وجاهز متى تريد أعطيك حقك، وهو كذاب ما عنده المال ونحو ذلك، فهذا الكذب أكثره محرم، وقسم قليل هو الذي يكون جائزاً.