[الحرص على هداية الأقارب خاصة]
كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً على هداية عمه أبي طالب، وهذا درسٌ عظيمٌ لنا أن يحرص الإنسان على هداية أقربائه، أبوه عمه جده ابن عمه ابن أخيه، كل الأقرباء يجب أن يكون الإنسان حريصاً عليهم أكثر من حرصه على هداية بقية الناس، لأنهم أقرباءك، والذين ينبغي أن تُوصل إليهم الخير أكثر من غيرهم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤].
لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أن أبا طالب على فراش الموت حضره، وفي هذا يؤخذ جواز الذهاب إلى الكافر وهو على فراش الموت لدعوته إلى الله.
ويؤخذ كذلك من الحديث: الحرص على هداية الأقرباء.
ومعنى (حضرته الوفاة) أي: قبل أن يدخل في الغرغرة، وإلا لو كان دخل مرحلة الغرغرة، فلا ينفع الكلام، ولا تنفع التوبة، ولا ينفع الإسلام، وبلغ من حرص النبي عليه الصلاة والسلام أن كرر عليه الدعوة، يقول: (يا عم!) بهذا الخطاب اللطيف، وهذا هو أسلوب الدعوة: (يا عم! قل كلمة أشفع لك بها عند الله أحاج لك بها عند الله أشهد لك بها عند الله).
قل: لا إله إلا الله فقط، وأبو طالب يقول: لولا أن تعيرني قريشٌ، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت، لأقررت بها عينك.
الله سبحانه وتعالى إذا قضى على رجلٍ بالضلالة، فلن تملك له من الله شيئاً، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يهدوه من دون الله لا يُمكن أن يهتدي، وهل هناك أحسن أسلوباً من أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام؟! أو أحسن دعوة من دعوة النبي عليه الصلاة والسلام؟! أو أحسن طريقة من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومع ذلك لم يستطع أن يهديه وهو عمه وقريب من الدين، وكان ينصر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يعرف أن دينه دين الحق.
وكان يقول: لولا أن تعيرني قريشٌ، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت، لأقررت بها عينك -لقلتها وقرت عينك يا بن أخي- لكن ما قالها.
ويؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهي: أن الإنسان لو اقتنع بالإسلام قناعة تامة وأنه دين الحق، ومات على ذلك، فهو في النار خالداً مخلداً فيها، إلا إذا نطق بالشهادتين ودخل في الدين، فقضية الاقتناع لا تنفع في شيء.
أي: هناك بعض الكفار الأجانب يمكن أن نجدهم معنا في الشركات والمصانع والمؤسسات ومع الشرح والدعوة إلى الإسلام يقتنع أن هذا دين الحق، يقول: أنا أوقن تماماً أن دينكم هذا أحسن من دين النصرانية واليهودية والبوذية والمجوسية والهندوسية، وأحسن ملة في الأرض، لكن لا يقول: لا إله إلا الله، ولا يشهد، ولا يدخل في الإسلام، وإذا مات فهو في النار قطعاً.
فقضية الاقتناع العقلي شيء، والدخول في الدين شيء آخر، ولذلك فإن الاقتناع العقلي يعني أنه قريب من الدين وهو قاب قوسين أو أدنى، وعلى البوابة، لكنه لم يدخل، لأنه لم ينطق بمفتاح الجنة (لا إله إلا الله) ولذلك لا بد أن نبين لهم أن القناعة لا تكفي، وكونه يقتنع أن الإسلام دين حق لا يكفي، بل لا بد أن ينطق بالشهادتين.