للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسمه كذا واسم أبيه كذا وحليته وولد في عام كذا. ألا ترى أن هذا زائد وكثير (١).

٨ - ولو ذهبنا نتبع سائر ما في هذه القطعة من اللطائف لخرجنا عن حد التمثيل والتنبيه الذي قصدنا إليه. فلنكتفِ بتوجيه نظرك فيها إلى سر دقيق لا تراه في كلام الناس. ذلك أن المرء إذا أهمه أمر من الدفاع أو الإقناع أو غيرهما بدت على كلامه مَسحة الانفعال بأغراضه، وكان تأثيره بها في نفسك على قدر تأثره هو؛ طبعَا أو تطبعًا، فتكاد تحس بما يخالجه من المسرة في ظفره ومن الامتعاض في إخفاقه. بل تراه يكاد يهلك أسفًا لو أعرض الناس عن هداه إذا كان مؤمنًا بقضيته، مخلصًا في دعوته، كما هو شأن الأنبياء أما هنا فإنك تلمح وراء الكلام قوة أعلى من أن تنفعل بهذه الأغراض، قوة تؤثر ولا تتأثر، تصف لك الحقائق: خيرها وشرها، في عزة من لا ينفعه خير، واقتدار من لا يضره شر.

هذا الطابَع من الكبرياء والعظمة تراه جليًّا من خلال هذا الأسلوب المقتصد في حجاجه أخذًا وردًّا، المقتصد في وصفه مدحًا وقدحًا.

انظر إليه حين يجادل عن القرآن فلا يزيد في وصفه على هذه الكلمة: ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾. نعم إنها كملة تملأ النفس، ولكن هل تشبعك أيها الإنسان تلك الكلمة إذا أردت أن تصف حقيقة من الحقائق التي تقتنع بها وتحب أن تقنع بها الناس؟

وانظر إليه بعد أن سجل على بني إسرائيل أفحش الفحش وهو وضعهم البقر الذي هو مثل في البلادة موضع المعبود الأقدس، وبعد أن وصف قسوة قلوبهم في تأبِّيهم على أوامر الله مع حملهم عليها بالآيات الرهيبة؛ فتراه لا يزيد على أن يقول في الأولى: إن هذا "ظلم" وفي الثانية: "بئسما" صنعتم. أذلك كل ما تقابل به هذه الشناعات؟ نعم،


(١) ومن هنا عيب على امرئ القيس تفصيله في غير موضع التفصيل، وذلك فيما هو معدود من أجود شعره، قوله:
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة .............. … ...........................
لم يقنع في وصف المنزل بقوله: "بسقط اللوى" حتى حده بحدود أربعة. قال الباقلاني " ........ كأنه يريد بيع المنزل، فيخشى إن أخل بحد منه أن يكون بيعه فاسدًا أو شرطه باطلًا! ".

<<  <   >  >>