٥ - وانظر كيف جيء بالأفعال في الجرائم التالية على صيغة الماضي بعد أن وطأ لها بهذه الكلمة: ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ فاستقام التاريخ على وضعه الطبيعي حين لم تبق هناك حاجة إلى مثل التعبير الأول.
٦ - وانظر إلى الآداب العالية في عرض الجريمة الثانية وهي جريمة الشرك؛ فإنها لما كانت أغلظ من سابقتها وأشد نكرًا في العقول نبه على ذلك ألطف تنبيه بحذف أحد ركنيها، فلم يقل: اتخذتم العجل إلهًا، بل طوى هذا المفعول الثاني استبشاعًا للتصريح به في صحبة الأول، وبيانًا لما بينهما من مفارقة .. وكم في هذا الحذف من تعبير وتهويل!! فرب صمت هو أنطق بالحكم، وأنكى في الخصم.
٧ - ثم انظر إلى النواحي التي أوثر فيها الإجمال على التفصيل، إعراضًا عن كل زيادة لا تمس إليها حاجة البيان في الحال، فقد قال: إن القرآن مصدق لما معهم، ولم يبين مدى هذا التصديق: أفي أصول الدين فحسب، أم في الأصول والفروع جميعًا، أم في الأصول وبعض الفروع، وإلى أي حد؟ ذلك أن هذا كلام الملوك لا يتنزل إلا بقدر معلوم. وماذا يعني الداعي إلى أصل الإيمان أن يمتد التطابق بين الأديان إلى فروعها أو لا يمتد؟ فليبحث علماء التشريع!
وقال: إنهم يقتلون أنبياء الله. فمن هم أولئك الأنبياء؟ … ليبحث علماء التاريخ!
وقال: إن موسى جاءهم بالبينات. فكم هي؟ وما هي؟
وقال: إنه أخذ عليهم ميثاقهم. فعلى أي شيء كان الميثاق؟
إن حكمة البيان القرآني لأجلُّ مِن أن تعرض لهذه التفاصيل في مثل هذا الموضع. ولو ذكرت ها هنا لكان مثلها مثل من يسأل: لم ضربت عبدك؟ فيقول: لأنه ضرب غلامًا