بعباده. أفمن يحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث أحق أن يطاع، أم من ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع، أم من ﴿لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾.
"ثم ختمها" بتعريفهم مبلغ غضبه وانتقامه ممن يكتم أمره ونهيه ويبدلهما بغير ما أمر ونهى ويأخذ على ذلك الرشا والسحت ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
والناظر في منهج هذا التقرير إذا تأمل في وجه اختيار حديث المطاعم والمكاسب من بين ضروب الحلال والحرام يرى من لطائف موقعه هنا ما يعرف به أنه هو العروة الوثقى التي شد بها وثاق البيان، وسدت بها الفروج بين خطواته السابقة واللاحقة.
فهو من الوجهة العملية أحد تلك الفروع التي سينتقل إليها الحديث عما قريب، فذكره ها هنا يعد شعارًا بقرب الشروع في المقصد الجديد، ثم هو من الجهة الاعتقادية يتصل اتصالًا تاريخيًّا وثيقًا بعقيدة التوحيد التي هو بصددها، ذلك أن أهل الجاهلية من وثنيين وكتابيين لما اتبعوا خطوات الشيطان فأزلهم عن توحيد المعبود حتى اتخذوا من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله لم يطل عليهم الأمد حتى فتح لهم باب التشريك في التشريع بعد التشريك في العبادة. فجعلوا يحرمون من الحرث والأنعام حلالها، ويحلون حرامها، بل جعلوا عند ذبح أنعامهم يهلون بها لغير الله -يهتفون بأسماء آلهتهم- ويستحلون طعمتها بذلك، فجمعوا فيها بين مقاصد ثلاث: المعصية، والبدعة، والشرك الأكبر.
كأن باب التحريم والتحليل في المطاعم والمكاسب كان هو من أول باب فتح في الجاهلية للتشريع بغير إذن الله، ولذلك كان هو أول باب سده القرآن بعد الشرك الأكبر. فترى النهي عنه والنص عليه وبيان الحق فيه تاليًا لذكر العقائد حتى في السور