والجواب عليه هو أن ذلك أمرٌ بقبول الرخصة، وليس أمراً بالإفطار، وشتَّان بين الأمرين، والمقصود بقبول الرخصة هنا هو ترك الالتزام بالصيام في السفر سواء منه ما كان فرضاً أو ما كان تطوُّعاً، وقد جاءت الرخصة لتلغي الالتزام هذا وتدع الصيام في دائرة المباحات، وإن الحديث في البند ٨ واضح الدلالة على ما أقول، فهو يقول (ليس من البر الصيام في السفر، عليكم برخصة الله عزَّ وجلَّ فاقبلوها) ومعناه أن الصيام في السفر ليس فرضاً ولا مندوباً بعد أن لم يكن كذلك، بسبب رخصة الله عزَّ وجلَّ، فوجب القولُ بذلك والعملُ به، وتركُ الالتزام الواجب أو المندوب كما كان قبل الرخصة. والحديث في البند ١٠ يدل على المعنى نفسه، فهو تحذيرٌ شديد لمن بقي مُصِرَّاً على القول بوجوب الصيام في السفر أو على مندوبيته ولم يأخذ برخصة الله التي نسخت الوجوب والندب. فهذان الحديثان (٨، ١٠) يعضدان ويتَّسِقان مع الأحاديث المارة، التي خيَّرت المسلم بين الصيام والإفطار في السفر، وهو ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، كما أفاد ذلك الحديث رقم ٥ (فلم يَعِب الصائمُ على المفطر، ولا المفطرُ على الصائم) والحديث رقم ٦ (فلم يَعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) والحديث رقم ٩ (لا تَعِبْ على من صام، ولا على من أفطر) والحديث رقم ١١ (فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجدُ الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) أما الحديث رقم ١٤ (إن الله يحبُّ أن تُؤْتى رُخَصُهُ كما يحب أن تُؤْتى عزائمُهُ) فهو يدل على ما تدل عليه الأحاديث السابقة كلها من وجود المعادلة، أو التعادل بين الصيام والإفطار (يحب أن تُؤتَى رُخَصُه كما يحب أن تُؤْتَى عزائمُه) الرخصة تُحَبُّ كحبِّ العزيمة سواء بسواء، لا ميزة لإحداهما على الأخرى فهو عاضد ومساندٌ للأحاديث المارَّة كلها، القائلة بالمعادلة والتعادل والتساوي بين الصوم والفطر في