...هذه الأحاديث النبوية تذكر أن من تقيأ أو استقاء، أي تعمَّد القيء، فقد أفطر ووجب عليه القضاء، ولم أجد حديثاً مرفوعاً واحداً يعارض هذه النصوص فيُعمَلُ بها ويُقال إنَّ تعمُّدَ القيء من مُفَطِّرات الصوم. وجاء أثر ابن عمر في البند الخامس موافقاً لما ذهبنا إليه.
...أما ما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه فقد روي عنه قولان يبدوان متعارضَيْن ففي الحديث الثالث جاء قول عطاء إن الحديث موقوف على أبي هريرة، فعلى فرض صحة هذا القول من عطاء فإنا نقول إن أبا هريرة قال (إذا تقيَّأ فعليه القضاء)(وإن استقاء فليقضِ) أي إذا تعمَّد القيء بطل صومه وأفطر.
...أما ما ذكره البخاري عن أبي هريرة فإنه جاء بصيغة عامة (إذا قاء فلا يفطر)(عن أبي هريرة أنه يفطر) ورجَّحَ الرواية الأولى، فلْنأخذ الرواية الراجحة عنده (إذا
(إذا قاء فلا يفطر) هذه الرواية لم تفرِّق بين القيء المتعمَّد والقيء غير المتعمَّد، وإنما جاءت عامة، ونحن لا ننكر أن القيء غيرَ المتعمَّد لا يفطِّر، فتصبح عندنا روايتان عن أبي هريرة: الأولى تخصِّص القيءَ المتعمَّد بأنه مفطِّر، والثانية تعمِّم القيء بأنه غير مفطِّر، فتُؤخذُ الرواية المخصِّصةِ القائلةِ بأنَّ القيء المتعمَّدَ يفطِّر وتُحمَل الروايةُ العامة على ما سوى ذلك. وبذلك يثبت القول المخصِّص الوارد في الحديث الثالث، وهو المتوافق مع الأحاديث المرفوعة.