استدل الفريق الأول القائلون باشتراط الصيام مع الاعتكاف بالأدلة الخمسة الأولى، فقال هذا الفريق إن قوله تعالى {ثم أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليل ولا تُباشروهنَّ وأنتم عاكِفونَ في المساجد} فيه ذكرٌ للاعتكاف إثْرَ الصوم ورَبطُ الاعتكافِ بالصيام وعن الدليل الثاني قالوا إن كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فهو يدل على أن الاعتكاف ملازمٌ للصيام، لأن العشر الأواخر من رمضان يصومها المسلمون طبعاً. وعن الدليل الثالث والدليل الرابع والقريب منه الدليل الخامس قالوا إن دلالتها واضحة باشتراط الصيام مع الاعتكاف.
...أما الفريق الثاني فقد استدلوا على رأيهم بعدم اشتراط الصيام مع الاعتكاف بالأدلة التالية: الحديث رقم ٦ بلفظيه وفيه الأمر بالاعتكاف خالياً من الأمر بالصيام، والليل ليس محلاً للصوم، ومع ذلك جاء الأمر لعمر (أوف بنذرك) والحديث رقم ٨ القائل (اعتكف عشراً من شوال) وليس شوال شهر صيام. والحديث رقم ٧ نفى وجوب الصيام إلا أن يشترطه على نفسه، وهو قولٌ لابن عباس فهو ليس دليلاً. والحق أن رأي هؤلاء هو الصحيح وذلك لما يلي:
إن الآية الكريمة ليس فيها ما يشير إلى وجود تلازمٍ بين الصوم والاعتكاف، ولا على أن أحدَهما شرطٌ لحصول الآخر، فالقول بالتلازم بين الصوم والاعتكاف خطأ، وذلك أن الآية تتحدث عن الصيام وجواز الجماع في ليل رمضان، وأن الأكل في الليل ينتهي عندما يتبين للصائمين حلولُ الفجر، وبعد أن أطلقت الآية جواز الجماع في ليل رمضان جاء بعده الحظر عليه عند الاعتكاف ليدل على بقاء الجواز فيما سواه فهي آية ذكرت عدة أحكام تتعلق بالصوم وبالاعتكاف، كل حكم منها مختلف عن غيره، دون أن يظهر أن للتلازم علاقة بتشريع هذه الأحكام.