الْأَكْبَرِ وَالْبَلَاغِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي هُوَ آخَرُ الْمَرَاتِبِ عِنْدَهُمْ، فَهُمْ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمَ لا فاعل له: لا علة ولا خَالِقَ. وَيَقُولُونَ: لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ خِلَافٌ إِلَّا فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ،، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَهُ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا سِيَّمَا هَذَا الِاسْمُ الَّذِي هُوَ اللَّهُ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهُ عَلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ وَيَطَؤُهُ.
وَأَمَّا مَنْ هُوَ دُونَ هؤلاء فيقول بالسابق وبالتالي، الَّذِينَ عَبَّرُوا بِهِمَا عَنِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ، وَعَنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ عِنْدَ الْمَجُوسِ، وركَّبوا لَهُمْ مَذْهَبًا مِنْ مَذَاهِبِ الصَّابِئَةِ وَالْمَجُوسِ ظَاهِرُهُ التشيع.
ولا ريب أن المجوس والصابئة شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَكِنْ تَظَاهَرُوا بِالتَّشَيُّعِ.
قَالُوا: لِأَنَّ الشِّيعَةَ أَسْرَعُ الطَّوَائِفِ اسْتِجَابَةً لَنَا، لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَلِمَا فيهم من الجهل وتصديق المجهولات.
وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّتُهُمْ فِي الْبَاطِنِ فَلَاسِفَةً، كَالنَّصِيرِ الطُّوسِيِّ هَذَا، وَكَسِنَانٍ الْبَصْرِيِّ الَّذِي كَانَ بِحُصُونِهِمْ بِالشَّامِ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ رَفَعت عَنْهُمُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْحَجَّ وَالزَّكَاةَ.
فَإِذَا كَانَتِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ إِنَّمَا يَتَظَاهَرُونَ فِي الْإِسْلَامِ بِالتَّشَيُّعِ، وَمِنْهُ دَخَلُوا وَبِهِ ظهروا، وأهله هم المهاجرين إِلَيْهِمْ، لَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمْ أَنْصَارُهُمْ لَا أَنْصَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - عُلم أَنَّ شَهَادَةَ الإسماعيلية للشيعة بأنهم على حق شَهَادَةٌ مَرْدُودَةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.
فَإِنَّ هَذَا الشَّاهِدَ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا أَظْهَرَ التَّشَيُّعَ لِيُنْفِقَ بِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَعْظِيمِ التَّشَيُّعِ، وَشَهَادَتُهُ لَهُ شَهَادَةُ الْمَرْءِ نفسه، فَهُوَ كَشَهَادَةِ الْآدَمِيِّ لِنَفْسِهِ، لَكِنَّهُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ، وَإِنَّمَا كَذَبَ فِيهَا كما كَذَبَ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، كَانَ أَيْضًا شَاهِدًا لِنَفْسِهِ، لَكِنْ مَعَ جَهْلِهِ وَضَلَالِهِ.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ لَا تُقبل، سَوَاءً عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ أَوِ اعْتَقَدَ صِدْقَ نَفْسِهِ. كَمَا فِي السنن عن النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَا تُقبل شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أخيه)) (١) . وهؤلاء خصمان أظِنّاء متهمون ذو غمر على أهل السنة والجماعة، فشهادتهم
(١) انظر المسند ج١٠ ص٢٢٤ وج١١ ص١٣٨، ١٦٣ تحقيق أحمد شاكر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute