للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْمَعْصُومُ الْقَادِرُ.

قِيلَ: فَهَذَا لم يوجد. وإن كان هؤلاء الاثنا عَشَرَ قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عُصَاةً لَا مَعْصُومِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا عَاجِزِينَ. فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ قَطْعًا أَوْ كِلَاهُمَا: الْعَجْزُ وَانْتِفَاءُ الْعِصْمَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ انْتِفَاءَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُودِهِ. وَالضَّرُورِيَّاتُ لَا تعارض بالاستدلال.

فَفِي الْجُمْلَةِ لَا مَصْلَحَةَ فِي وُجُودِ مَعْصُومٍ بَعْدَ الرَّسُولِ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِدُونِهِ وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَزُولُ إِلَّا بِعَدَمِهِ. فَقَوْلُهُمْ: ((الْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ)) مَمْنُوعٌ. وَقَوْلُهُمْ: ((الْمَفْسَدَةُ فِيهِ مَعْدُومَةٌ)) مَمْنُوعٌ.

بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ فَالْمَفْسَدَةُ مَعَهُ مَوْجُودَةٌ، وَالْمَصْلَحَةُ مَعَهُ مُنْتَفِيَةٌ. وَإِذَا كَانَ اعْتِقَادُ وُجُودِهِ قَدْ أَوْجَبَ مِنَ الْفَسَادِ مَا أوجب، فما الظن بتحقيق وجوده؟

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْخَامِسُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ رَعِيَّتِهِ. وَعَلِيٌّ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ عَلَى مَا يَأْتِي، فَيَكُونُ هُوَ الإِمام لقُبْح تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ عَقْلًا وَنَقْلًا. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَن يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهْدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (١) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ الْكُبْرَى، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ. بَلْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثم عثمان، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عمَّا ذَكَرُوهُ، وَتَقْرِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْجُمْهُورَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ: يَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَفْضَلِ مَعَ الْإِمْكَانِ، لَكِنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ لَمْ يَذْكُرْ حُجَّةً عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. وَقَدْ نَازَعَهُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لَهُ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ: مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَمَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى. وَالْمَفْضُولُ لَا يَجِبُ أَنْ يُهدى إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ الْفَاضِلُ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ هُدًى كَثِيرٌ بِدُونِ تَعَلُّمٍ مِنَ الْفَاضِلِ، وَقَدْ يَكُونُ الرجل أعلم مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ


(١) الآية ٣٥ من سورة يونس.

<<  <   >  >>