فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتل مَظْلُومًا شَهِيدًا، لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ ابْتِدَاءً أَنْ يُقاتل.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ لَبِسَ الصُّوفَ تَحْتَ ثِيَابِهِ الْفَاخِرَةِ.
فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ فِي عَلِيٍّ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَهُوَ كَذِبٌ. وَذَلِكَ أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ تَحْتَ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ لَوْ كَانَ فَاضِلًا لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - شرعه لأمته، إِمَّا بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ، أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ أَصْحَابُهُ عَلَى عَهْدِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَا
رَغَّبَ فِيهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبس في السفر جبة صوف فوق ثيابه.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ يَوْمًا الْحُسَيْنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ وَوَلَدَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَكَ بَيْنَهُمَا فَاخْتَرْ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا مَاتَ الحسن بَكَيْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَإِذَا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بَكَيْتُ أَنَا عَلَيْهِ)) فَاخْتَارَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ، فَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْحُسَيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِمَنْ فديته بابني إبراهيم)) .
فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يُعرف له إسنادا وَلَا يُعرف فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَهَذَا النَّاقِلُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، وَلَا عَزَاهُ إِلَى كِتَابِ حَدِيثٍ، وَلَكِنْ ذَكَرَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي رِوَايَتِهِ أَحَادِيثَ مسيَّبة بِلَا زِمَامٍ وَلَا خِطَامٍ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْقُولَاتِ لَا يُميّز بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا إِلَّا بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَدَعْوَى النَّقْلِ الْمُجَرَّدِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدَّعَاوَى.
ثُمَّ يُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الجهَّال، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُسَيْنِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي جمعه بين الحسن والحسين على مقتضى الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مَوْتَ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ إِذَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَبَقَاءُ الْحَسَنِ أَعْظَمُ مِنْ بَقَاءِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ بَقِيَ الْحَسَنُ مع الحسين.
[(فصل)]
أما عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَسَادَاتِهِمْ علما ودينا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute