الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الشِّيعَةَ لَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ وَاحِدٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا قَوْلٌ مِنْ أَقْوَالِ الْإِمَامِيَّةِ، وَمِنَ الْإِمَامِيَّةِ طَوَائِفُ تُخَالِفُ هَؤُلَاءِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ. وَجُمْهُورُ الشِّيعَةِ تُخَالِفُ الإمامية في الاثنى عشر، فَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ إِمَامَةِ الاثنى عشر.
وَهَؤُلَاءِ الْإِمَامِيَّةُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ أُصُولَ الدِّينِ أَرْبَعَةٌ: التَّوْحِيدُ، وَالْعَدْلُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالْإِمَامَةُ. وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالْإِمَامَةِ. وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَغَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مقرِّين بِهَا كَإِقْرَارِ سَائِرِ الْأُمَّةِ. وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ أَعْظَمُ مِنِ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ، فَإِنْ قَالَتِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ: نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، فَيَكُونُ الْحَقُّ مَعَنَا دُونَهُمْ. قِيلَ لَهُمْ: وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، فَيَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُمْ دُونَكُمْ، فَغَايَتُكُمْ أَنْ تَكُونَ سَائِرُ فِرَقِ الْإِمَامِيَّةِ مَعَكُمْ بِمَنْزِلَتِكُمْ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي يَجْمَعُ أهل الحق.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ جَازِمُونَ بِحُصُولِ النَّجَاةِ لَهُمْ وَلِأَئِمَّتِهِمْ، قَاطِعُونَ بِذَلِكَ، وَبِحُصُولِ ضِدِّهَا لِغَيْرِهِمْ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُجِيزُونَ وَلَا يَجْزِمُونَ بِذَلِكَ لَا لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ. فَيَكُونُ اتِّبَاعُ أُولَئِكَ أوْلى، لأنَّا لَوْ فَرَضْنَا مَثَلًا خُرُوجَ شَخْصَيْنِ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيدَانِ الْكُوفَةَ، فَوَجَدَا طَرِيقَيْنِ سَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقًا، فَخَرَجَ ثَالِثٌ يَطْلُبُ الْكُوفَةَ: فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ إِلَى الْكُوفَةِ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ طريقك تُوصِّلُكَ إِلَيْهَا؟ وَهَلْ طَرِيقُكَ آمِنٌ أَمْ مُخَوِّفٌ؟ وَهَلْ طَرِيقُ صَاحِبِكَ تُؤَدِّيهِ إِلَى الْكُوفَةِ؟ وَهَلْ هُوَ آمِنٌ أَمْ مَخُوفٌ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ شيئا من ذلك. ثم سأل صاحبه فَقَالَ أَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقِي يوصِّلني إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ آمِنٌ، وَأَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ صَاحِبِي لَا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِآمِنٍ، فَإِنَّ الثَّالِثَ إِنْ تَابَعَ الْأَوَّلَ عدَّه الْعُقَلَاءُ سَفِيهًا، وَإِنْ تَابَعَ الثَّانِيَ نُسب إِلَى الْأَخْذِ بِالْحَزْمِ)) .
هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقال: وَسَأَلَ الثَّانِيَ فَقَالَ لَهُ الثَّانِي: لَا أَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقِي تُؤَدِّينِي إِلَى الْكُوفَةِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ آمِنٌ أَمْ مَخُوفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute