للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَذَلِكَ ((أَنْفُسَنَا)) لَيْسَ مُخْتَصًّا بِعَلِيٍّ، بَلْ هَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ، كَمَا أَنَّ ((نِسَاءَنَا)) صِيغَةُ جَمْعٍ وَكَذَلِكَ ((أَبْنَاءَنَا)) صِيغَةُ جَمْعٍ، وَإِنَّمَا دَعَا حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بالنبوة سواهما.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} (١) . رَوَى الْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئل النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتَابَ عَلَيْهِ. قَالَ: سَأَلَهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، فَتَابَ

عَلَيْهِ. وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ، لِمُسَاوَاتِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّوَسُّلِ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى)) .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ، فَقَدْ عُرف أَنَّ مُجَرَّدَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَغَازِلِيِّ لَا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم.

الثاني: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ في ((الموضوعات)) .

الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ قَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٢) .

وَقَدْ رُوى عَنِ السَّلَفِ هَذَا وَمَا يُشْبِهُهُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ النَّقْلِ الثَّابِتِ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْقَسَمِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَ آدَمَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ إِذَا تَابَ أَحَدُهُمْ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ. فَكَيْفَ يَحْتَاجُ آدَمُ فِي تَوْبَتِهِ إِلَى مالا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُذْنِبِينَ: لَا مُؤْمِنٌ ولا كافر؟

الْخَامِسُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالتَّوْبَةِ بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ، بَلْ وَلَا أَمَرَ أَحَدًا بِمِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ فِي تَوْبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، بَلْ وَلَا شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى اللَّهِ بِمَخْلُوقٍ، وَلَوْ كان


(١) الآية ٣٧ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الأعراف.

<<  <   >  >>