للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَهُ إِلَّا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ. وَأَوَّلُ مَنْ سمِّي مِنَ الْخُلَفَاءِ ((أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ)) هُوَ عمر رضي الله عنه.

الوجه الثامن عَشَرَ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى عَلَيْهِ إِمَامٌ عَادِلٌ يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ، وَيَكُونُ غَالِبًا؛ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْعَدْلِ يتولُّون عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ، كَمَا كَانَ فِي مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ حُكْمِهِ ذِمِّيُّونَ وَمُنَافِقُونَ.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْبُرْهَانُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١) ، اتفقوا على نُزُولِهَا فِي عَلِيٍّ. وَرَوَى أَبُو نُعيم الْحَافِظُ - مِنَ الْجُمْهُورِ - بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. ومن تفسير الثَّعْلَبِيِّ قَالَ: مَعْنَاهُ: بلِّغ مَا أُنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَهُ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ.

وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ عليٌّ مَوْلَاهُمْ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامُ.

وَمِنْ تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَدِيرِ خُم نَادَى النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، وَقَالَ: ((مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ)) فَشَاعَ ذَلِكَ وَطَارَ فِي الْبِلَادِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحِ، فَنَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَأَنَاخَهَا فَعَقَلَهَا، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي ملأٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَمَرْتَنَا عَنِ اللَّهِ أَنْ نَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَبِلْنَا مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نُزَكِّيَ أَمْوَالَنَا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ. وَأَمَرْتَنَا أَنْ نَصُومَ شَهْرًا فَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ.

وَأَمَرَتْنَا أَنْ نَحُجَّ الْبَيْتَ فقبلناه منك. ثم لم ترض بِهَذَا حَتَّى رَفَعْتَ بِضَبْعَىْ ابْنِ عَمِّكَ وفضلتَه علينا، وقلتَ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وَهَذَا مِنْكَ أَمْ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَوَلَّى الْحَارِثُ يُرِيدُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إن


(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.

<<  <   >  >>