فَيُقَالُ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ، ولا هو في الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا هُوَ فِي السُّنَنِ، بَلْ هُوَ مَرْوِيٌّ فِي الْجُمْلَةِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَمِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ مِنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، فعُلم أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ صَادِقٌ، لَيْسَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ مِنْهُ. وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ فِي تَحَرِّي الصِّدْقِ، أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي كَثْرَةِ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ، وَفِي عِظَمِ الْحَقِّ الَّذِي صَدَقَ فِيهِ وَصَدَّقَ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ صَادِقُ اللَّهْجَةِ إِذَا تَحَرَّى الصِّدْقَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَعْظَمَ تَصْدِيقًا مِنْ أَبِي ذَرٍّ. بَلْ قَالَ: أَصْدَقَ لَهْجَةً، وَالْمَدْحُ لِلصِّدِّيقِ الَّذِي صدَّق الْأَنْبِيَاءَ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ صَادِقًا، بَلْ فِي كَوْنِهِ مصدِّقاً لِلْأَنْبِيَاءِ. وَتَصْدِيقُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صِدْقٌ
خَاصٌّ، فَالْمَدْحُ بِهَذَا التَّصْدِيقِ -الَّذِي هُوَ صِدْقٌ خَاصٌّ -نَوْعٌ، وَالْمَدْحُ بِنَفْسِ كَوْنِهِ صَادِقًا من نَوْعٌ آخَرُ. فَكُلُّ صِدِّيقٍ صَادِقٌ، وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صدِّيقاً.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَسَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يُسَمُّوا أمير المؤمنين خليفة رسول الله مع أنه استخلف فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ، مِنْهَا: أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى المدينة المنورة فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ، أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.
وَأَمَّرَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ خَلِيفَةً، وَلَمَّا تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ غَضِبَ أُسَامَةُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَنِي عَلَيْكَ، فَمَنِ اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ فمشى إليه هو وعمر حتى استرضياه، وَكَانَا يُسَمِّيَانِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ أَمِيرًا)) .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْخَلِيفَةَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الَّذِي يَخْلُفُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute