للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: ((إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ وَهُوَ يَعْرُجُ:

لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَا ... رِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِيُّ

كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ ذَا الْفَقَارِ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ، وَلَكِنْ كَانَ سَيْفًا لِأَبِي جَهْلٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَنَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - سيفه ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: ((رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا فأوَّلتُه فَلًّا يَكُونُ فيكم، ورأيت أنى مُردفُ كبشا ً، فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ. فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ، فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ)) (١) . فَكَانَ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَهَذَا الْكَذِبُ الْمَذْكُورُ فِي ذِي الْفَقَارِ مِنْ جِنْسِ كَذِبِ بَعْضِ الْجُهَّالِ. أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَيْفٌ يَمْتَدُّ إِذَا ضَرَبَ بِهِ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَإِنَّ هَذَا ما يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ: لَا سَيْفُ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرُهُ. وَلَوْ كَانَ سَيْفُهُ يمتدُّ لمدَّه يوم قاتل معاوية.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَفِي غَزَاةِ الْأَحْزَابِ، وَهِيَ غَزَاةُ الْخَنْدَقِ لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - من عمل الخندق فأقبلت قُرَيْشٌ يَقْدُمُهَا أَبُو سُفْيَانَ وَكِنَانَةُ وَأَهْلُ تِهَامَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَنَزَلُوا مِنْ فَوْقِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ تَحْتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (٢) ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْمُسْلِمِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَجَعَلُوا الْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ، وَاتَّفَقَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْيَهُودِ، وَطَمِعَ الْمُشْرِكُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ، وَرَكِبَ عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جَهْلٍ، وَدَخَلَا مِنْ مَضِيقٍ فِي الْخَنْدَقِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَطَلَبَا الْمُبَارَزَةَ، فَقَامَ عَلِيٌّ وَأَجَابَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ عَمْرٌو، فَسَكَتَ: ثُمَّ طَلَبَ الْمُبَارَزَةَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقُومُ عَلِيٌّ، وَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ عَمْرٌو، فأَذِن لَهُ فِي الرَّابِعَةِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: ارْجِعْ يَا ابْنَ أَخِي فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ. فَقَالَ له


(١) انظر سنن ابن ماجة ج٢ ص ٩٣٩ والمسند ج٣ ص ٦٦ - ٦٧، ٣٥١ ومختصر السيرة ج٣ ص ٦٦ - ٦٧.
(٢) الآية ١٠ من سورة الأحزاب.

<<  <   >  >>