للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَكُونُ مُؤْمِنًا وَلِيًّا لِلَّهِ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، كَانَ قَوْلُهُ مَرْدُودًا، كَقَوْلِ الرَّافِضَةِ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) : أَنْ يُقَالَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِهَؤُلَاءِ يزداد الرجل به إِيمَانًا وَخَيْرًا، وَمُوَالَاةً لِلَّهِ وَأَنَّ الْمُصَدِّقَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّافِضَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ مُشَابِهٌ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا كَمَالَ الدَّيْنِ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ.

وَحِينَئِذٍ، فَيُقَالُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَفِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ كُلِّهَا لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى التَّصْدِيقِ بوجود هَؤُلَاءِ، وَمَنْ ظَنَّ مِنْ أَهْلِ النُّسُكِ وَالزُّهْدِ والعامة أن

شيئا من الدين واجبا أو مستحبا موقوف على التصديق بوجود هؤلاء فهذا جَاهِلٌ ضَالٌّ، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ الْعَالِمِينَ بالكتاب والسنّة، إذ قد علم بالأضرار مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُشَرِّعْ لِأُمَّتِهِ التَّصْدِيقَ بِوُجُودِ هَؤُلَاءِ، وَلَا أَصْحَابُهُ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنَ الدِّينِ، وَلَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْضًا.

فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَفْظُ الْغَوْثِ وَالْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَالنُّجَبَاءِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم بإسناد معروف أنه تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا أَصْحَابُهُ، وَلَكِنَّ لَفْظَ الْأَبْدَالِ تَكَلَّمَ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ وَيُرْوَى فِيهِ عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حديث ضعيف (١) وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

[شرك بعض الصوفية حتى في الربوبية]

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : أَنْ يُقَالَ الْقَائِلُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، مِنْهُمْ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ مَا لَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ، مِثْلُ دَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ الْغَوْثَ أَوِ الْقُطْبَ هُوَ الَّذِي يَمُدُّ أَهْلَ الْأَرْضِ فِي هُدَاهُمْ ونصرهم ورزقهم، وأن هذا لا يصل إلى أحد إِلَّا بِوَاسِطَةِ نُزُولِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي الْبَابِ وَكَذَلِكَ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضُهُمْ من أن الواحد من هؤلاء يعلم كل ولى له كان أو يكون، اسمه واسم أبيه


(١) ورد الحديث في المسند ج٢ ص ١٧١ تحقيق أحمد شاكر.

<<  <   >  >>