وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، كبلال وصهيب وخبّاب وأمثالهم، أن يَكُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِنَ الطُّلَقَاءِ وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَابْنَيْهِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَحْوِهِمْ، أَعْظَمَ نَسَبًا منهم.
[(فصل)]
قال الرافضي: ((مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - لعن معاوية الطليق بن الطليق اللعين بن اللعين، وقال: إذا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ. وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَقَاتَلَ عَلِيًّا وَهُوَ عِنْدَهُمْ رَابِعُ الْخُلَفَاءِ، إِمَامُ حَقٍّ، وَكُلُّ مَنْ حَارَبَ إِمَامَ حَقٍّ فَهُوَ بَاغٍ ظَالِمٌ)) .
قَالَ: ((وَسَبَبُ ذَلِكَ مَحَبَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمُفَارَقَتُهُ لِأَبِيهِ، وَبُغْضُ مُعَاوِيَةَ لِعَلِيٍّ وَمُحَارَبَتِهِ لَهُ. وَسَمُّوهُ كَاتِبَ الْوَحْيِ وَلَمْ
يَكْتُبْ لَهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنَ الْوَحْيِ، بَلْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَسَائِلَ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفَسًا يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ، أَوَّلُهُمْ وَأَخَصُّهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَزَلْ مُشْرِكًا بِاللَّهِ تَعَالَى فِي مدة كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مَبْعُوثًا يُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ وَيَهْزَأُ بِالشَّرْعِ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ ((أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لعن مُعَاوِيَةَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ إِذَا رُؤِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي عِلْمِ النَّقْلِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الرَّافِضِيُّ الرَّاوِي لَهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ أَنَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَعِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مَنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ خَيْرًا مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ يَجِبُ قَتْلُ مَنْ صَعِدَ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَبَ قَتْلُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. ثُمَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ لَا يُبِيحُ قَتْلَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ تَوَلَّى الأمر وهو لا يصلح، فَيَجِبُ قَتْلُ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ مِمَّنْ مُعَاوِيَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِتَالِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
ثُمَّ الْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ فَإِنَّهَا لَمْ تَقْتُلْ كُلَّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَلَا اسْتَحَلَّتْ ذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute