للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ دَائِمًا يَقْدَحُونَ فِي رِوَايَتِكُمْ، وَيُبَيِّنُونَ كَذِبَكُمْ، وَأَنْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ عِلْمٌ بِحَالِهِمْ. ثُمَّ قَدْ عُلم بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ كَثْرَةُ الْكَذِبِ وَظُهُورُهُ فِي الشِّيعَةِ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَإِلَى الْيَوْمِ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَبْغُضُونَ الْخَوَارِجَ، وَيَرْوُونَ فِيهِمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ كثيرة صحيحة، وقد روى البخاري بَعْضَهَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَشَرَةً مِنْهَا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مُتَدَيِّنُونَ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَحْمِلْهُمْ بُغْضُهُمْ لِلْخَوَارِجِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِمْ، بَلْ جَرَّبُوهُمْ فَوَجَدُوهُمْ صَادِقِينَ. وَأَنْتُمْ يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُسْلِمُونَ وَالتُّجَّارُ وَالْعَامَّةُ وَالْجُنْدُ، وَكُلُّ مَنْ عَاشَرَكُمْ وَجَرَّبَكُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَنَّ طَائِفَتَكُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَإِذَا وُجد فِيهَا صَادِقٌ، فَالصَّادِقُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرُ، وَإِذَا وُجِدَ فِي غَيْرِهَا كَاذِبٌ، فَالْكَاذِبُ فِيهَا أَكْثَرُ.

وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى عَاقِلٍ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَقَدْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تجد له وليا مرشدا.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الْمَنْهَجُ الرَّابِعُ: فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَتِهِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ)) .

ثُمَّ ذَكَرَ: كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ وَأَعْبَدَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ، وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَهُ، وَاجْتِمَاعِ الْفَضَائِلِ عَلَى أَوْجُهٍ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:

((الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .

وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمَا يَقُولُونَ: أَزْهَدُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّهْدَ الشَّرْعِيَّ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ مَالٌ يَكْتَسِبُهُ فَأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وتولّى الخلافة، فذهب إلى السوق يبيع ويكتسب، فَلَقِيَهُ عُمَرُ وَعَلَى يَدِهِ أَبْرَادٌ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: أَظَنَنْتَ أَنِّي تَارِكٌ طَلَبَ الْمَعِيشَةِ لِعِيَالِي؟ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبَا عُبَيْدَةَ وَالْمُهَاجِرِينَ، ففرضوا له شيئا، فاستخلف عُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ، فَحَلَفَا لهُ أَنَّهُ يُباح لَهُ أَخْذُ دِرْهَمَيْنِ

<<  <   >  >>