للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَلَمَّا وَعَظَتْ فَاطِمَةُ أَبَا بَكْرٍ فِي فَدَك، كَتَبَ لَهَا كِتَابًا بِهَا، وردها عليها، فخرجت من عنده، فَلَقِيَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَرَّقَ الْكِتَابَ، فَدَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ بِهِ وَعَطَّلَ حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة، وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَكَانَ يُعْطِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. وغيَّر حُكْمَ اللَّهِ فِي الْمَنْفَيِّينَ، وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ فِي الْأَحْكَامِ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ عَالِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُعرف لَهُ إِسْنَادٌ. وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكْتُبْ فَدَكا قَطُّ لِأَحَدٍ: لَا لِفَاطِمَةَ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا دَعَتْ فَاطِمَةُ عَلَى عُمَرَ.

وَمَا فَعَلَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ كَرَامَةٌ فِي حَقِّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أعظم ممّا فعله ابن ملجم بعلي ّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَا فَعَلَهُ قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ. فَإِنَّ أَبَا لُؤْلُؤَةَ كافرٌ قَتَلَ عُمَرَ كَمَا يَقْتُلُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ. وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ أَعْظَمُ مِنْ شَهَادَةِ مَنْ يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ؛ فَإِنَّ قَتِيلَ الْكَافِرِ أَعْظَمُ دَرَجَةٍ مِنْ قَتِيلِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتْلُ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لِعُمَرَ كَانَ بعد موت فاطمة، بمدة خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَمِنْ أَيْنَ يُعرف أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ بِسَبَبِ دُعَاءٍ حَصَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.

وَالدَّاعِي إِذَا دَعَا عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَقْتُلَهُ كَافِرٌ، كَانَ ذَلِكَ دُعَاءً لَهُ لَا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لِأَصْحَابِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ((يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ)) فَيَقُولُونَ: لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ! وَكَانَ إِذَا دَعَا لِأَحَدٍ بِذَلِكَ استُشهد (١) .

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ عَلِيًّا ظَلَمَ أَهْلَ صفِّين وَالْخَوَارِجَ حَتَّى دَعَوْا عَلَيْهِ بِمَا فَعَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ، لَمْ يَكُنْ هَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْمَعْقُولِ مِنْ هَذَا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إِنَّ آلَ سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ دَعَوْا على الحسين بما فُعل به.

وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: ((وَعَطَّلَ حُدُودَ اللَّهِ فَلَمْ يُحِدَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ)) .

فَالْجَوَابُ: أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ. وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ إِذَا لَمْ تَكْمُلْ حَدَّ


(١) انظر البخاري ج٥ ص١٣٠ وغيره ومسلم ج٣ ص ١٤٢٧.

<<  <   >  >>