(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((الرَّابِعُ: أَنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَبِسَيْفِهِ ثَبَتَتْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ، وتشيَّدت أَرْكَانُ الْإِيمَانِ، مَا انْهَزَمَ فِي مَوَاطِنَ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ بسيفٍ إِلَّا قَطَّ، طَالَمَا كَشَفَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَفِرَّ كَمَا فَرَّ غَيْرُهُ، وَوَقَاهُ بِنَفْسِهِ لَمَّا بَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، مُسْتَتِرًا بِإِزَارِهِ، فَظَنَّهُ الْمُشْرِكُونَ إيَّاه، وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَحْدَقُوا بِهِ وَعَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، يَرْصُدُونَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِيَقْتُلُوهُ ظَاهِرًا، فَيَذْهَبَ دَمُهُ، لِمُشَاهَدَةِ بَنِي هَاشِمٍ قَاتِلِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ، وَلَا يَتِمَّ لَهُمُ الْأَخْذُ بِثَأْرِهِ لِاشْتِرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي دَمِهِ، وَيَعُودَ كُلُّ قَبِيلٍ عَنْ قِتَالِ رَهْطِهِ. وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ حِفْظِ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتمَّت السَّلَامَةُ، وَانْتَظَمَ
بِهِ الْغَرَضُ فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْمِلَّةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ، وَرَأَوْا الْفَتْكَ بِهِ، ثَارَ إِلَيْهِمْ، فتفرَّقوا عَنْهُ حين عرفوه، وانصرفوا وقد ضلت حيلتهم، وَانْتَقَضَ تَدْبِيرُهُمْ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا رَيْب أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ شُجْعَانِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّنْ نَصَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِجِهَادِهِ، وَمِنْ كِبَارِ السَّابِقِينَ الأوَّلين مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ سَادَاتِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِمَّنْ قَتَلَ بِسَيْفِهِ عَدَدًا مِنَ الْكُفَّارِ. لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ، بَلْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا فَضْلُهُ فِي الْجِهَادِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَضْلًا عَنْ أفضليته على الخلفاء، فضلاً عن تعيينه لِلْإِمَامَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّهُ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ)) .
فَهَذَا كَذِبٌ، بَلْ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ. وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَل الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: ((لَنْ تُرَاعُوا)) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: اسْتَقْبَلَهُمْ وَقَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ (١) .
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ((كَانَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ كَانَ
(١) البخاري ج٤ ص ٣٩، ٥٢ وج ٨ ص ١٣، ومسلم ج٤ ص ١٨٠٢ - ١٨٠٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute