لَاخْتَرْتُ أَنْ أَصِيرَ تُرَابًا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أني شجرة تعضد.
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْتَنِي فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ ضَرَبْتُ بِيَدِي عَلَى يَدِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، فَكَانَ هُوَ الْأَمِيرَ وَكُنْتُ الْوَزِيرَ)) . قَالَ: ((وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا يَرْتَضِي لِنَفْسِهِ الْإِمَامَةَ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا إِنْ كَانَ قَالَهُ فَهُوَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْإِمَامَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا إِنَّمَا يَقُولُهُ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يُضَيِّعَ حَقَّ الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا ولَّى غيَره، وَكَانَ وَزِيرًا لَهُ، كَانَ أَبْرَأَ لِذِمَّتِهِ. فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ الْإِمَامَ، لَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ إِضَاعَةً لِلْإِمَامَةِ أَيْضًا، وَكَانَ يَكُونُ وَزِيرًا لِظَالِمٍ غَيْرِهِ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ. وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ من يخاف الله، ويطلب براءة ذمته.
قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، مُكَرِّرًا لِذَلِكَ: أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَخَلِّفَ عَنْ جيش أسامة. وكان الثلاثة معه، ومنع عمر أبو بكر مِنْ ذَلِكَ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ السِّيرَةَ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل أبو بَكْرٍ أَوْ عُثْمَانَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ. وَإِنَّمَا رُوى ذَلِكَ فِي عُمَرَ. وَكَيْفَ يُرْسِلُ أَبَا بَكْرٍ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَهُ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ مُدَّةَ مَرَضِهِ. وَكَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ إِلَى الْخَمِيسِ إِلَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ يُقَدِّمْ فِي الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَمْ تَكُنِ الصَّلَاةُ الَّتِي صلاَّها أَبُو بَكْرٍ بِالْمُسْلِمِينَ في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةً وَلَا صَلَاتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، حَتَّى يُظَنّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ التَّلْبِيسِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ قَدَّمَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، بَلْ كَانَ يصلِّي بِهِمْ مُدَّةَ مَرَضِهِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute