للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَكَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ، شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَلَازَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ الناس ملازمة ليلا ونهارا، ومن صِغَرِهِ إِلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقال: مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْ عُمَرَ، وَمِنْ أَبِي بكر وأنه كان أرغب في العلم مِنْهُمَا؟.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ)) (١) وَالْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا قَدْرٌ زائد على تعليم البشر.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُلَازِمًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَمِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ. فكان يسمر معهما في أمر المسلمين. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ فِيهَا قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحَ، كَمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ. كَمَا تقدم.

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ. فَتَكُونُ عُلُومُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُلُومِ غَيْرِهِ، لِحُصُولِ الْقَابِلِ الْكَامِلِ، وَالْفَاعِلِ التَّامِّ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ عَدَمِ عِلْمِ الرَّافِضِيِّ بِالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ سَائِرٌ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَصْحَابُهُ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَنَ، ويسَّر اللَّهُ ذَلِكَ عليهم. وكذلك عَلِيٌّ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَكْمُلْ حَتَّى صَارَ لعليّ نحواً مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنَّمَا حَفِظَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِبَرِهِ لَا فِي صِغَرِهِ. وَقَدِ اختُلف فِي حِفْظِهِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَالْأَنْبِيَاءُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، إِلَّا عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَعْلِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُطْلَقًا، لَمْ يَكُنْ يَخُصُّ بِهِ أَحَدًا، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الطَّالِبِ. وَلِهَذَا حَفِظَ عَنْهُ أبو هريرة في ثلاث سنين أخرى ما لم يحفظ غَيْرُهُ. وَكَانَ اجْتِمَاعُ أَبِي بَكْرٍ بِهِ أَكْثَرَ من


(١) تقدم تخريجه ص ٤٧٦.

<<  <   >  >>