وأما انتفاء المفسدة فظاهر، لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ لَازِمَةٌ لِعَدَمِهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ نَصْبِهِ، فلأن ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِي وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ)) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ ولكن قرّره. وقد تقدمت الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانِ فَسَادِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مَعْصُومًا أَغْنَى عَنْ عِصْمَةِ عَلِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى عِصْمَةِ عَلِيٍّ، فَبَطَلَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الرَّافِضَةَ تُثْبِتُ أُصُولُهَا عَلَى مَا تدَّعيه مِنَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُمْ أَبْعَدُ الْأُمَّةِ عَنْ مَعْرِفَةِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعَاتِ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ تَتَضَمَّنُ النَّصَّ، وَالْجَمَاعَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِجْمَاعَ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى هَذَا التقدير بِبَيَانِ فَسَادِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَصْبِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْأُمَّةِ مُغْنِيَةٌ عَنْ عِصْمَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ في حكمة عصمة الأمة.
الثَّانِي: إِنْ أُريد بِالْحَاجَةِ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ وُجُودِهِ أَكْمَلُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ نُوَّابِ الْإِمَامِ أَكْمَلُ، وَحَالَهُمْ مَعَ عِصْمَةِ أَنْفُسِهِمْ أَكْمَلُ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا تُقَدِّرُهُ النَّاسُ أَكْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَفْعَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجِبُ عليه فعله.
وَأَيْضًا فَجَعْلُ غَيْرِ النَّبِيِّ مُمَاثِلًا لِلنَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، قَدْ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ الشُّبَهْ وَالْقَدْحِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ أَنْ يُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ هَذَا، كَمَا
يَجِبُ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ، لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّةُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِجَمِيعِ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّونَ، فَلَوْ كَانَ لنا من يساومهم فِي الْعِصْمَةِ، لَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ، فيبطل الفرق.
الوجه الثاني: أَنْ يُقَالَ: الْمَعْصُومُ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ: أَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَإِزَالَةِ الْمَفَاسِدِ؟ أم هوعاجز عَنْ ذَلِكَ؟ الثَّانِي مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يَحْصُلُ بِهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ، بَلِ الْقُدْرَةُ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِصْمَةَ تفيد وجود داعية إلى الصَّلَاحِ، لَكِنَّ حُصُولَ الدَّاعِي بِدُونِ الْقُدْرَةِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute