للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الخامس: أن يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَعَلِيِّ بْنِ الحسين، وابنه محمد، وجعفر بن محمد من المناقب والفضائل مَا لَمْ يَذْكُرْهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْكَذِبِ تَدُلُّ عَلَى جَهْلِ نَاقِلِهَا، مِثْلَ قَوْلِهِ: نَزَلَ فِي حَقِّهِمْ: {هلْ أَتَى} فَإِنَّ سُورَةَ {هَل أَتىَ} مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَعَلِيٌّ إِنَّمَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ

بِهَا إِلَّا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، ووُلد لَهُ الْحَسَنُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْحُسَيْنُ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ نُزُولِ: {هَلْ أَتَى} بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ.

فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ، مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنُزُولِ القرآن وعلم بأحوال هؤلاء السادة الأخيار.

وَأَمَّا آيَةُ الطَّهَارَةِ فَلَيْسَ فِيهَا إِخْبَارٌ بِطَهَارَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَمْرُ لَهُمْ بِمَا يُوجِبُ طَهَارَتَهُمْ وَذَهَابَ الرِّجْسِ عَنْهُمْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (١) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {َما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُم} (٢) وَقَوْلِهِ: {ُيرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهْدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم. وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا. يُريدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُم وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (٣) .

فَالْإِرَادَةُ هُنَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَمْرِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْمَشِيئَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِوُقُوعِ الْمُرَادِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْ طهَّر كُلُّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ طَهَارَتَهُ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ الشِّيعَةِ أَوْجَهُ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ.

فَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجزَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} إِذَا كَانَ هَذَا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، كَانَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِإِرَادَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ فَعَلُوا مَا أُمروا بِهِ طُهِّروا وَإِلَّا فَلَا.

وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَهُمْ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَطْهِيرِهِمْ وإذهاب الرجز عنهم.


(١) الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.
(٢) الآية ٦ من سورة المائدة.
(٣) الآيات من ٢٦ - ٢٨ من سورة النساء.

<<  <   >  >>